صدمني إلى حد الصاعقة ما نقله طبيب فاضل من كرام الأصدقاء نقلاً عن طبيب آخر وأستاذ جامعي جاوز السبعين من عمره يرى أن لديه حلًا لكل مشاكل مصر في أزمتها المستعصية الحالية التي وصلت إلى نفق مظلم لا يُرى في نهايته أي بصيص ضوء حيث يرى سعادة الأستاذ الدكتور الذي واجبه ورسالته حماية الأنفس والأرواح مما يتهددها من أخطار، يرى سعادته أن الحل الأمثل للأزمة المصرية الذي يمكن أن يصل بها إلى الاستقرار على قمة التنمية بتمثيل في الإبادة الجماعية الكاملة لجميع العناصر الفعالة في جماعة "الإخوان المسلمين"!. وهو يعترف أن ذلك الحل دمويٌ ومرعب ولكنه (في نظره) هو الحل الوحيد لاستئصال هذا العنصر المثير للقلق، ويستند في ذلك إلى ما حدث في مذبحة القلعة التي قام بها محمد علي باشا للمماليك للقضاء على مؤامرتهم التي كانوا يؤلبون بها البلاد؛ ومن ثم انطلق نحو نهضة تنموية لم تعرف مصر مثلها حتى تاريخنا، بل يتوغل (الطبيب) أكثر فيستشهد بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود بني قريظة الذين تآمروا على المسلمين في المدينةالمنورة. وبغض النظر عن التسطيح التاريخي في قياس الوضع المصري على جريمة مذبحة القلعة الخسيسة (التي يبرزها طبيبنا في صورة البطولة)، وبغض النظر كذلك عن المغالطة والتدليس في إيراد قصة بني قريظة (المتشعبة الوقائع والتفاصيل) للاستشهاد على ما يريد، فإن طرح الفكرة في حد ذاتها مرعبٌ إلى حد الصدمة بل الفجيعة الكارثية. أغمضت عيني من هول الصدمة بهذا الاقتراح ورأيتُني جالسًا بين مجموعة من المعارف والأقارب ممن تختلف مشاربهم وتتوزع على مختلف التوجهات السياسية في مصر، رأيتني وقد تأثرت بهذا الاقتراح (الدموي) فأعطيت كلًا منهم رشاشًا وأشعرته بأنه مفوضٌ باستخدامه لقتل من يشاء ممن يعتقد أنهم سبب البلاء والمصائب الواقعة في مصر، بشرطٍ واحد هو أن يكتب لي قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيكونون على رأس أولوياته في الاغتيالات. فرحوا جميعًا بهذا العرض الذي يشفي غليلهم؛ وسارع كل منهم بكتابة بقائمة أولوياته في الاغتيال. كتب الأول:- البرادعي وصباحي وعمرو موسى والعزازي ومصطفى بكري وساويرس وأمير سالم وياسر برهامي ومخيون وبكار. كتب الثاني:- وجدي غنيم وخالد عبد الله ومحمد البلتاجي وعاصم عبد الماجد وعصام العريان وعصام سلطان وصفوت حجازي وخيرت الشاطر وعبد الله بدر ومحمود شعبان. كتب الثالث:- عمرو وأديب وزوجته لميس وإلهام شاهين وهالة سرحان وخيري رمضان والإبراشي ويوسف الحسني وتوفيق عكاشه وإبراهيم عيسى ومجدي الجلاد وجيهان منصور. كتب الرابع:- كل من كانوا على منصة إقرار الانقلاب العسكري بدءًا بالغادر السيسي ومرورًا بالطيب وتواضروس وانتهاءً بغلام تمرد. جمعت قوائمهم ثم وزعت على كل منهم ورقة صغيرة تتضمن سؤالًا واحدًا: هل تعتقد أن ما تتمناه أمر متاح في عصرنا في زمن تحولت فيه المجتمعات إلي كيانات مدنية تحكمها نظم وقوانين وتسيّر أمورها سلطات فوضها المجتمع بحمايته وإدارته؟؟، والعجيب أن جميع الوريقات التي وزعتها عادت إلى بإجابة واحدة كتبها كلٌ منهم على حدة؛ وهي: للأسف الشديد لا يمكن.. وا حسرتاه. سيدي الطبيب (الجزار).. اعلم أنك لست وحدك يا سيدي الذي تنفرد بهذه التطلعات الدموية المرعبة بل إن المجتمع يحفل بالكثيرين أمثالك من (القتلة بالتحريض) بالقدر الكفيل بتحويل مجتمعنا إلى غابة أكثر وحشية ودموية وهمجية من غابات الحيوانات؛ تلك الحيوانات الجارحة التي لا تفترس بدافع الحقد والغل والانتقام والكراهية والرغبة في إقصاء الآخر واستئصال المخالف؛ وإنما قُدّر عليها أن تقتل لكي تعيش لذا فهي لا تقتل إلا بالقدر الذي يضمن لها الحياة. أسأل الله تعالى ألا يكثر من أمثالكم وأن يطهر مصرنا من أفكاركم وأن يُبصّر الذين يتهمون الإسلاميين بالتطرف والإرهاب ليعلموا أن غلاة المتطرفين والإرهابيين الحقيقيين، هم من غابت عقولهم وانعدمت ضمائرهم فتبنوا فكرة مذبحة القيم والمبادئ والأخلاق.. بدلًا من مسار قلعة الرقي والتوافق والتعايش.