بحسابات السياسة التقليدية .. موقف الاخوان المتشدد من الانقلاب العسكري ليس في صالحهم. الرفض التام للانقلاب والوقوف بقوة ضد الإجراءات التالية له يعرض الجماعة والحزب للعزلة والإضطهاد. الأفضل لهم أن يتعايشوا مع الواقع الجديد ، وأن يدركوا أنه ليس بإمكانهم تحدي الآلة العسكرية ، ولا بمقدورهم السباحة عكس تيار الإنقلاب الجارف المدعوم بالأموال الخليحية والدبلوماسية الغربية. الرأي السابق ينطلق من قاعدة أن الإخوان المسلمين يعملون بالسياسة من أجل الوصول للسلطة أياً كانت الوسائل ، ويسعون للمنصب والسيطرة علي الدولة بصرف النظر عن الأدوات. وهو الرأي الذي دأب الكارهون للإخوان علي ترويجه وتسويقه عبر سنين طويلة للتدليل علي أن الإخوان انتهازيون ، ويعتمدون المبدأ الميكافيللي في العمل السياسي بل والدعوي أيضاً. لو تأملت في موقف الإخوان من الإنقلاب علي الشرعية ستلاحظ أنه موقف أخلاقي بالدرجة الأولي ، وليس موقفاً سياسياً يبحث عن المكاسب والخسائر بالمنطق المادي البحت. يمكن إدراك ذلك مباشرة بملاحظة أن الإخوان يقدمون الشهداء كل يوم ، ويعرضون قادتهم للملاحقة والاعتقال والتنكيل ، وذلك جراء تشبثهم بقيم أخلاقية مثل قيمة إعلاء الإرادة الشعبية ، وقيمة التحرر من حكم العسكر والتي يرفضها البعض ويفضلون العيش تحت الوصاية العسكرية. قادة الإنقلاب يتمنون اللحظة التي يستجيب فيها الإخوان لتوسلاتهم بالمشاركة في العملية السياسية الجديدة . ويقدمون لهم العروض المتتالية تحت شعارات براقة مثل المصالحة ولم الشمل ، وهي في الحقيقة محاولات مستميتة لشرعنة الإنقلاب ، وتوريط الإخوان بالمشاركة في جريمة الاغتصاب الجماعي للإرادة الشعبية.
بوسع الإخوان أن يمتطوا الموجة ، وأن يتسللوا مرة أخري إلي الحياة السياسية تحت شعار فقه الواقع ، وأن يرضوا ببعض الفتات من العسكر بشكل مؤقت حتي يتسنى لهم لاحقاً الوصول لرأس السلطة بعد هدوء العاصفة. ولكن عليهم بعد ذلك أن يبذلوا جهداً لتبرير جريمة الصمت إزاء البلطجة العسكرية بحق شعب ووطن ، وأن يقدموا أسباباً مقنعة لأهالي الشهداء الذين ارتقوا منذ بداية الثورة وذلك على نحو يجعلهم لا يشعرون بالأسي والقهر وهم يشاهدون دماء أبنائهم تباع وتشترى على مائدة المساومات السياسية. أكرر .. موقف الإخوان من فاجعة الإنقلاب علي الديموقراطية موقف أخلاقي بالأساس ، ويندرج تحت مفهوم الإخوان للسياسية النظيفة والأخلاقية ، وهو المفهوم الذي نحاول عبثاً أن نبينه للناس الذين يعتقدون طوال الوقت أن السياسة نجاسة ، ومن ثم يحب علي الإخوان أن يتجنبوا العمل بها طالما أنهم يدعون التدين. اليوم يقدم الإخوان دليلاً جديداً على أن النجاسة ليست صفة للسياسة ، ولكنها - أي النجاسة - صفة لصيقة بأولئك الذين يدمنون عقد الصفقات الخسيسة علي حساب الشعب والقيم الأخلاقية وذلك تحت شعارات سياسية براقة وخادعة. السياسة النظيفة هي التي يمارسها الشرفاء ، والسياسة النجسة هي وسيلة الإنقلابيين والفاسدين والخونة "وكل إناء بما فيه ينضح".