لا يمكن أن تمر جريمة سقوط وإسقاط بغداد في عامها السابع دون تذكّر الخديعة الكبرى التي ساهم فيها العرب قبل غيرهم في تصديقها وترويجها، ثم الاندفاع لتقمصها وانتهاءً بالخروج من اللعبة الكبرى وهم أكبر الخاسرين. لن نبكي على العهد السابق. فقد ارتكب من الأخطاء الاستراتيجية الفادحة ما جعله يصل إلى النهاية المحزنة التي وصل إليها. في ذات الوقت، هناك من الأخطاء التي دًفع ليرتكبها عن سابق تخطيط وتصميم لاسقاطه وتغيير وجه العراق والمنطقة. ومن المفارقة الآن، ونحن في شهر أبريل، ألا نجد من يحتفل بالذكرى التي سُميت زوراً ب "تحرير العراق".ولا نجد أيضاً من يحفل بنتائج الانتخابات!! انتخابات العهد الديمقراطي بعد التحرير المزعوم. وها هي النتائج معطلة تنتظر الإذن من طهران للموافقة على هذا النائب أو ذاك. في هذه الذكرى، لا نجد أيضاً تلك الأصوات التي ساهمت في إعلامنا العربي والخليجي بالتطبيل ليل نهار بقرب الفجر الجديد وبالديمقراطية الأمريكية التي ستحرر شعوب المنطقة من الأنظمة المتخلفة. فإذا بالاحتلال الأمريكي يصبح أكثر تخلفا من نفس الأنظمة القائمة، بل وأحط من النازيين وبرابرة العصور الوسطى في التعامل مع الشعب العراقي. وليس هنالك داعٍ للتذكير بالجرائم المخجلة في أبو غريب، وقتل المدنيين العزل في الشوراع وبأفتك القنابل المحرمة. ومن الغريب أن أصحاب هذه الأقلام والبرامج ما زالوا، وبوقاحة متناهية، يتحدثون عن أهمية مشروع "احتلال العراق"، دون الشعور حتى ولو بأدني إحساس بهذا الشعب المعذب الذي يرى بلاده وقد أصبحت نهباً لكل القوى والأطماع. وحتى عندما قام الوطنيون الشرفاء، على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، بالدفاع عن بلادهم العراق جرى تشويه سمعتهم واتهامهم بأقذع المسميات إسهاماً في إرضاء المحتل الأمريكي وحليفه الإيراني. وصارت المقاومة الشريفة في إعلامنا العربي المتخاذل تهمة، في حين أصبحت خيانة الوطن والتعامل مع الاحتلال الغاشم وطنية وشعوراً بالمسؤولية تجاه الشعب!!! لقد أسفرت انتخابات العراق السالفة عن واقع لابد من الالتفات إليه وعدم ترك الملعب لإيران وحدها تعبث بمشيئة العراقيين وبمستقبل العراق. آن الأوان لمصالحة عربية شاملة مع العراق، وإعادة إعمار مؤسساته بناء على انتمائه العروبي ودوره الحضاري وإسهاماته في المسيرة البشرية. لقد باتت اللامبالاة العربية لما يحدث للعراق عاراً يندى له جبين التاريخ وسبة علينا أمام الأجيال. فإيران لم تكن قوية في العراق إلا عندما صار الوجود العربي ضعيفاً متردداً وتبعياً. لقد آن وقت التخلص من بعبع الخطر العراقي. لابد من التأكيد على أن العراق القوي المستقر والموحد هو قوة للعرب. وإذا فات العرب والخليج الإستفادة من نتائج الحرب على العراق، فإن معطيات السياسة الدولية في هذا الطور تحتم على العرب في الخليج وبقية الدول العربية القيام بدور أساسي في دعم استقرار العراق وإعادة بنائه على المستويات كافة. وفتح مجال المناصرة الشعبية لتأكيد عروبة العراق من خلال إفساح المجال للجهد الشعبي في أن يأخذ مكانه في إغاثة العراقيين صحة وتعليما وحياة كريمة. لابد من مشروع عربي أو خليجي مدروس واستراتيجي يصحح الخطأ الفادح التي وقعت فيه حكومات ودول المنطقة في الاندفاع لتدمير العراق وتفتيت وحدته. بغداد الجريحة، وهي في الأسر للعام السابع على التوالي، خيانة عربية فاضحة، ومأساة لابد لها من نهاية. ومن دون هذه النظرة فلن تُلام إيران في إذا ما استفردت بالشعب العراقي وفرضت إرادتها على كل العراقيين ونهبت نفطه في وضح النهار. • أكاديمي بحريني