انفجرت أحداث قرغيزستان بشكل مفاجئ جعل الجمهور القرغيزي الفقير يندفع إلي الشارع ليحطم أمامه كل ما حوله ، كان أغلب المشاركين في المظاهرات المدمرة لكل ما حولها من الشباب الغاضب الذي يعتدي علي كل ما أمامه ، جعلني هذا المشهد أنتقل بتفكيري إلي الوضع في بلدي وأقول إن أخطر ما يمكن أن تواجهه مصر – لا سمح الله – هو مشهد الفوضي . قرغيزستان هي أحد بلدان آسيا الوسطي الفقيرة والتي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي قبل أن ينحل ثم استقلت عنه في مطلع التسعينيات لتأتي بحكام مستبدين كانوا جزءا من المنظومة السوفيتية وأقاموا أنظمة قمعية ضد مواطنيهم ومجتمعاتهم ، ثم قامت ثورة عرفت بثورة " السوسن " ضد حاكمها المستبد عسكر أكاييف عام 2005 جاءت بالرئيس الذي جري الانقلاب عليه " كرمان باكييف " ، والذي كانت له اتجاهات رأسمالية قام فيها بخصخصة الشركات وهو ما أدي لرفع الأسعار ، وكان السبب المباشر لمشهد الفوضي والاندفاع الذي قامت به الجماهير الغاضبة سببه المباشر هو اتخاذ قرار برفع أسعار الطاقة . كان المشهد عندنا في مصر في 18 و 19 يناير عام 1977 عندما تم رفع الأسعار وقام الطلبة والجماهير بالاندفاع إلي الشوارع فيما عرف وقتها بانتفاضة الخبز ، وقد اضطرت الحكومة بالتراجع عن قرارها . وقد وصفها السادات وقتها بأنها انتفاضة الحرامية ، وأذكر أن الجماهير الفقيرة في مصر اقتحمت منازل المحافظين والمسئولين في المحافظات والأقاليم واستولت علي ما في الثلاجات من طعام ، كما استولت علي الأثاث وعلي السجادات وعلي مظاهر الترف الذي كان يرتع فيها المسئولون . عدد سكان دولة قرغيزستان حوالي خمسة ملايين نسمة تقريبا ثلث السكان يعيش تحت خط الفقر ، الشباب بلا وظائف والأسعار ترتفع ، والخصخصة قادت إلي زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، والرئيس كرمان باكييف " الذي هرب من العاصمة إلي جنوب البلاد حيث موطنه الأصلي أجر مطار البلاد وقاعدة ماناس الجوية للأميركان ، وكانت قرغيزستان أحد الجسور المهمة لنقل الإمدادات الأميركية في الحرب علي أفغانستان ، ويشعر المواطن القرغيزي أن بلاده يتم استخدامها من جانب الولاياتالمتحدة الأميركية كأداة في تنفيذ مخططاتها ضد العالم الإسلامي ، وقرغيزستان في النهاية دولة أغلبيتها مسلمة ، وهم من الأحناف رغم أنهم تعرضوا للتهجير القسري في الفترة السوفيتية إلي سيبريا . من الواضح أن الأسباب الاقتصادية هي التي دفعت المواطنين إلي الانقلاب علي الرئيس فزعيمة المعارضة التي تولت الحكومة المؤقتة في البلاد تتحدث عن أنها ستقوم بتأميم الشركات الكبري التي قامت عائلة الرئيس المخلوع بخصخصتها وفتحها سداح مداح لملكية رجال البيزنس والأعمال الجدد من القطط السمان في وسط شعب وجماهير لا تجد ما تأكل ، هنا وحشية رأسمال ورجال ا لأعمال والفئات الجديدة التي نشأت في ظل دول فقيرة استطاعت أن تحقق ثروات هائلة غير معروفة المصدر لارتباطها بالسلطة أو أعمال غير مشروعة . ظاهرة تهريب رءووس الأموال من البنوك وغياب الرقابة علي المصارف تعرفها قرغيزستان وظاهرة المحسوبية وسيطرة الأنجال والأقارب علي كبري الشركات والتي تعد أحد أهم مصادر الاقتصاد في البلاد معروفة في قرغيزستان ، وظاهرة الفساد واستفحاله في دولة هي من أفقر دول آسيا وربما العالم معروفة علي نظاق واسع . وهنا في مصر نتحدث عن ظواهر مشابهة فلدينا فساد للركب في المحليات كما قال بعض النواب ، ولدينا زواج الثروة والسلطة ولدينا ظواهر احتكار شركات الحديد والأسمنت ، ولدينا ظواهر الثراء الفاحش وغير المعروفة المصدر ولدينا اتساع للفجوات بين الأغنياء والفقراء ، ولدينا توغل وهيمنة لأجندة صندوق النقد الدولي والتي تهمش الفئات ا لفقيرة ، ولدينا ظواهر ارتفاع الأسعار ولدينا تراجع لدور الدولة ولدينا كاسحة الخصخصة ، ولدينا في نفس الوقت حديث عن مطالب سياسية بإصلاحات سياسية لا يمكن تأجيلها . عدد القتلي في المشهد القرغيزي وصل إلي ما يقرب من المئة ، وتم دفن القتلي في مشهد حزين ، ولا تزال البلاد تواجه أزمة خطيرة ربما تقود إلي نوع من الاقتتال الأهلي الداخلي ، ومن الواضح أن أيدي القوي الإقليمية الكبري تلعب داخليا في قرغيزستان خاصة روسيا التي اعترفت وحدها بالمعارضة والحكومة المؤقتة . مصر لديها 80 مليون مواطن ومساحتها تزيد علي مساحة قرغيزستان خمس مرات أو يزيد ، وأخطر شئ تواجهه مصر – لا قدر الله هو ذلك المشهد الذي حدث في قرغيزستان ، أي مشهد الفوضي ، ذلك هو أخطر المشاهد درامية ووحشية ، ومن ثم فإن التفكير حول مستقبل مصر يفرض علينا جميعا معارضة وحكومة أن نرتفع إلي مستوي المسئولية وأن نسعي بجد إلي بناء سيناريو للتغيير في مصر يأخذ بيدها إلي المستقبل بشكل سلمي وآمن ، نريد تغييرا للدستور ، ونريد تعددية للأحزاب ونريد مشاركة أوسع للشباب الجديد ،ونريد استقلالية للمجتمع الأهلي والجمعيات الأهلية ونريد إلغاء الطوارئ ونريد الإفراج عن المعتقلين السياسيين ونريد الإفراج عمن حوكم أمام محاكم استثنائية ، ونريد حرية إصدار الصحف والحق في الحصول علي المعلومات ونريد انتخابات حرة نزيهة ونريد رقابة عالية من البرلمان علي الحكومة ، ونريد فصلا بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة ، مصر تغيرت ولم يعد الوضع القائم يناسب حجم التغيرات التي عرفتها منذ عام 1971 العام الذي وضع فيه الدستور .