شتان الفارق بين مرسي في قمة عدم الانحياز بإيران نهاية أغسطس الماضي، وبين مرسي اليوم. في ذلك اليوم كانت كلمة الرئيس بمثابة زلزال سياسي هز أركان عاصمة أكبر داعم للأسد ومجازره في سوريا، وقد بلغ الحرج بنظام الملالى مبلغا كبيرا أن يتعرض مجرم دمشق لهذا الهجوم المباغت ونزع الشرعية عنه ومطالبته بالرحيل من أكبر دولة عربية ومن قلب طهران، فقام الإعلام الإيراني بتحريف خطاب مرسي واستبدل البحرين بسوريا، وكانت تلك فضيحة مدوية لإعلام رسمي دجال. أما اليوم فلا تكاد تسمع صوتا لمرسي، ولا تجد أثرا للسياسة الخارجية، ولا للجنة الرباعية التي اقترحها لحل الأزمة، ولا فيما يجري من تصعيد خطير على الأرض في حرب الإبادة وفي الدخول العلني الفاضح لإيران وعملائها من ميليشيا حزب الله وجماعات شيعية عراقية ويمنية في الحرب على الشعب السوري بحماية دولية من روسيا. معركة القصير كانت بيانا رسميا من تحالف الشر بأنه لن يترك زعيم العصابة يسقط مهما كانت المجازر، ومهما كان حجم الغزو المذهبي العلني، كما كانت البداية لتوسيع الهجمة على الثوار في المناطق التي حرروها لاستردادها بأي ثمن من الدماء البريئة لجعل "جنيف 2" بلا معنى، أو الذهاب للمؤتمر لإفشاله، أو فرض شروط تعجيزية على قوى المعارضة والثورة. ما بين الصوت المصري القوي في قمة عدم الانحياز وبعض المناسبات التي تلتها، وما بين التراجع المذهل اليوم، يتبدى أن طهران بدهائها نجحت في سحب القاهرة وراءها في موقفها تجاه سوريا، بينما فشلت القاهرة في التأثير على إيران ودفعها لإحداث تغيير ولو محدود في سياستها المنحازة كليًا للنظام الأسدي. هذا فشل واضح لنظام مرسي يعكس تخبطًا في صنع السياسة الخارجية، وفي رسم سياسات ومواقف والثبات عليها حتى تحقق النجاح أو التأثير المنشود، وهذا هو الوجه الآخر للتخبط في السياسة الداخلية في مختلف الملفات والأزمات. حقيقة لا ندري خطة واضحة تسير عليها البلاد سواء في إدارة الشأن الداخلي أو الخارجي، والأزمة السورية كاشفة عن فقدان الخطة والرؤية. مصر في وضعها الداخلي المرتبك مع رئيس يواجه عاصفة من الهجوم من المعارضة ومن فئات شعبية، ومع حالة من الانقسام السياسي، والضغوط لإجراء انتخابات مبكرة، بجانب أزمات اقتصادية وأمنية واجتماعية طاحنة، فإن كل ذلك يجعل حركة النظام محدودة وتأثيره الخارجي ضعيف، ولهذا لم يكن مطلوبًا من مصر منذ البداية أن تتدخل عسكريًا مثلاً، إنما تتحرك سياسيًا وفق قدراتها مع أطراف تنهج نفس موقفها مثل قطر والسعودية وتركيا والدول المهمة في "أصدقاء سوريا" لإنتاج حلول عملية لإنهاء المأساة بدل أن ترمي نفسها في أحضان إيران ومحورها فتبتلعها، وهذا لا يليق بمصر الثورة، والقراءة الدقيقة لصعود ثم خفوت الموقف المصري، وكذلك تصريحات عصام الحداد مستشار الرئيس للشئون الخارجية بعد زيارته لإيران تعطي النتائج التي نتحدث عنها. إذا لم يكن بمقدور مصر أن تفعل شيئًا للثورة على الأرض كما تفعل إيران للنظام تمويلاً وتسليحًا وتخطيطًا، والآن دعمًا بالعناصر المقاتلة، فقد كان واجبًا أن تحافظ على موقفها السياسي ولا تتنازل عنه سريعًا مقابل وعود بمساعدات من إيران، أو من العراق، حيث ترتبط حكومة المالكي بعلاقات تبعية وثيقة مع طهران. إيران فرضت نفسها لاعبًا قويًا، واليوم تفرضها روسيا على غير إرادة الأوروبيين والأمريكان في "جنيف 2"، لأنها طرف مؤثر في سوريا، ولا حل سياسيًا من دونها في ظل بقاء الوضع كما هو دون تدخل عسكري دولي، ودون تسليح حقيقي للمعارضة لتغيير المعادلات على الأرض، لكن أين هي مصر التي تعتبر سوريا الدولة وليس النظام مسألة أمن قومي لها؟! مصر تخسر، وإيران تكسب، وهذا من دواعي الألم والحسرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.