سيناء أرض الفيروز، وحلم المصريين، فضلًا عن أنها تمثل قضية أمن قومي وبعدًا استراتيجيًا، وأملًا شعبيًا ومحورًا تنمويًا، وفضلًا عما تتمتع به من كنوز مدفونة، وثروات هائلة، وشواطئ ساحرة وطبيعة خلابة فهي تمثل نقطة الخطر الكبرى على أمن واستقرار مصر، فما الذي يحدث على أرضها وهل يتحول الحلم الجميل، إلى كابوس مزعج؟ سيناء ليست أبدًا شرم الشيخ فقط كما كان يعاملها النظام البائد، ولا مشروع تنمية محور قناة السويس فقط كما يريد أن يستغلها النظام الحالي، سيناء هي عبق التاريخ، ولؤلؤة الحاضر وأمل المستقبل، فكما أنها تمثل أرحب أفق لمستقبل مصر، فهي تمثل أخطر بقعة على أمن مصر. فسيناء تعتبر من أهم ركائز الاقتصاد المصري وتساهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي المصري وهي أرحب آفاق التنمية فيه، فهي أهم المقاصد السياحية في مصر لما تمتاز به من خصائص طبيعية ودينية وحضارية فريدة ويؤمها الكثير من السياح من مختلف أنحاء العالم للاستجمام والاستمتاع بطبيعة سيناء، حيث الجبال تعانق البحر الأحمر في مشاهد خلابة، حيث يوجد العديد من المنتجعات والمدن السياحية العالمية ورحلات السفاري التي تتم في الصحراء، حيث توجد بها ستة محميات من أهم المحميات الطبيعية وأثراها في مصر، كما تمتاز سيناء بأنها كانت شاهدة على أهم الأحداث الدينية في الديانات السماوية الثلاثة مما جعل لسيناء أهمية في الديانات حتى أنها ذكرت في الكتب السماوية الثلاثة وتوجد بسيناء أماكن سياحية دينية يقصدها السكان كدير سانت كاترين وجبل موسى وبها مراكز الاستشفاء الطبيعية مثل عيون موسى.
كما تعد شبه جزيرة سيناء المورد الأول للثروة المعدنية في مصر يتدفق من أطرافها الغربية وعلى سواحل خليج السويس البترول، حيث تنتج وحدها حوالي ثلث إنتاج مصر من البترول ويوجد على سواحلها الشمالية الغاز، وكما يوجد في شمالها الكبريت جنوبالعريش، في شرقها النحاس والفوسفات والحديد، وفي وسطها الفحم والمنجنيز واليورانيوم والفلسبار ويوجد في جنوبسيناء الكثير من المعادن كالذهب والخامات مثل الجبس ووالفحم والطفلة الكربونية بكميات كبيرة، تشتهر سيناء بوجود أجود أنواع الفيروز في العالم الذي اكتشفه المصريون القدماء على أرضها واستخدموه.
والزراعة في سيناء واعدة أيضًا وتقدر جملة المساحات المنزرعة في سيناء بنحو 175 ألف فدان والأراضي القابلة للاستصلاح في سيناء تبلغ 470 ألف فدان، كما تقدر الثروة الحيوانية في سيناء بنحو 265 ألف رأس من الأغنام والجمال وتعتمد على المراعي الطبيعية.
ومع هذا فسيناء تمثل أخطر بقعة على أمن مصر فهي البوابة الشرقية لمصر، جاء منها الغزاة والفاتحين بداية من الآشوريين،الهكسوس،الرومان، الفرس، العرب، التتار، الصليبيين، العثمانيين نهاية بالصهاينة الإسرائليين.
فهي تحيط بها الأهوال وتتقاذفها الخطوب، من أنفاقها تتسرب المخاطر، وبين مرتفعاتها تكمن المخاوف وفي أرجائها تعبث المخابرات، وعلى أطرافها يقف العدو الصهيوني متربصًا، والشقيق الفلسطيني منتظرًا، وعلى أرضها تقف القوات الدولية مراقبة، والبدوي المصري متوجسًا، والشعب المصري مؤملًا، في فراغ أمني كبير، ونزر من الشرطة والجيش قليل.
نشكر جهود الرئيس والقوات المسلحة في الإفراج عن الجنود المختطفين ولكن بعيدًا عن المزايدات السياسية لأن الموضوع أكبر وأعمق بكثير من كل الكلام الإعلامي والعبث السياسي والمزايدات الحزبية، فالموضوع في شدة الخطورة، والمعادلة في قمة الصعوبة، فنحن نعرف جيدا أن سيطرة قواتنا على معظم سيناء سيطرة رمزية اسمية، وهذا الأمر كان مستهدفًا من اتفاقية السلام المشئومة، فلو كان الغرض أمن إسرائيل لكان من مصلحتها زيادة عدد القوات لسد الفراغ الأمني، ولكن الغرض ألا تصبح المنطقة أمنيًا تحت سيطرتك ولتبقى سيناء بالنسبة لأمن واستقرار مصر قنبلة موقوتة.
فلابد أولًا: من تعديل الاتفاقية، وإن لم نستطع أن نصل لذلك بشكل ودّي، فنستطيع بلا شك أن نرغم إسرائيل على طلبها بل والإلحاح عليها والطريق معلوم لا داعي لتفصيله.
ثانيًا: من الأهمية بمكان إشعار أهلنا في سيناء بملكيتهم لأرضهم وانتمائهم لبلدهم، ومد جسور الثقة بين القيادات السياسية والأمنية وبين القيادات القبلية والشعبية بسيناء.
ثالثًا: لابد من توفير الخدمات التعليمية والصحية والتمونية بشكل جيد، والإسراع في المشاريع التنموية وإعطاء سيناء الأولوية.
رابعًا: فتح أبواب التواصل الفكري والحوار الوطني مع جميع القوى، بل ومحاورة الأفكار غير الصحيحة فمحاورة أصحاب هذه الأفكار طريقة شرعية استخدمها الصحابة رضوان الله عليهم في مجادلة الأفكار الضالة والهدامة فقد ذهب ابن عباس للخوارج ورجع منهم بعشرة آلاف، والقضاء على الأفكار المنحرفة لن يكون إلا بالفكر الصحيح، ومحاولة إسكات الفكر بالبندقية لا يأتي إلا بنتائج وقتيّة.
رفضنا الخضوع للمطالب تحت الضغط والتهديد، ونرى أن قتل المدنين المسالمين، والغدر بجنود الأمن والقوات المسلحة المرابطين على حدودنا، تحت أي دعوى، جريمة منكرة ولا تسقط بالتقادم ولا بدّ من حساب المتورطين فيها، ونرفض بكل قوة هذا الأسلوب في التعامل مع الدولة، أسلوب الابتزاز وليّ الذراع، لأن خضوعها للابتزاز سيجعل هذه الطريقة عادة متبعة، وسنة ماضية، وسيتكرر هذا السيناريو البغيض وسيكون مؤشرًا خطيرًا على ضعف الدولة ومما يؤدي إلى تفككها وإضاعة هيبتها.
ولكننا على نفس الصعيد نحن مع التفاوض الحُرّ والحوار الفكري لإلقاء السلاح، والاندماج في المجتمع وترك أسلوب استخدام العنف غير الشرعي، وذلك بمطالبة المتورطين وإقناع المخدوعين بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
ونعلم أن هناك مطالب عادلة لأهل سيناء ونعلم أن هناك مظالم شديدة وقعت على أهاليهم وذويهم ينبغي على المجتمع بكل قواه السياسية والوطنية أن يصطف وراء هذه المطالب العادلة ويضغط لتحقيقها، ويعمل على رفع المظالم الجائرة ويضغط لإزالتها دون انتظار ونعلم أننا إن غفلتنا عنها ستجعل الوطن كله يدفع الثمن.
ونعدهم أننا سنقف خلف المطالب العادلة من حق الجميع حتى المتورطين في معاملة آدمية ومحاكمة عادلة، فهذه مسائل تتعلق بحقوق الإنسان وهي شرعية وعادلة ولا ينبغي أن نتخلى عنها في أي وقت، أو تحت أيّ ضغط، ونرفض الممارسات غير المشروعة للأجهزة الأمنية، نرفض الاعتقالات بدون تحقيق، نرفض التعذيب بكل صوره والمعاملة غير الآدمية للمسجونين أو المعتقلين، نرفض أسلوب أخذ الرهائن والقبض على الأهل والأقارب للضغط على المطلوبين لتسليم أنفسهم، هذه حقوق لا يُختلف عليها وسيقف خلفها كل حُر وشريف على أرض مصر.
وأرى ألا تكون رؤية الدولة للمشكلة محصورة في إطلاق سراح الجنود المخطوفين، والمشكلة لا تنتهي بتحريرهم، فعندنا مشاكل حقيقية تحدثنا عنها كثيرًا، ولكن لا أثر على أرض الواقع فأين تنمية سيناء، وعلاج الفراغ الأمني فيها، وأرفض معالجة الأمر بالخطب الرنانة والأماني الكاذبة والوعود غير المنجزة، وأقف بكل قوة مع المطالب العادلة لإخواني من أهل سيناء الحبيبة، وأرفض التجاهل المستمر لهذه المنطقة الغالية.