الانفلات الأمنى.. الإفراج عن المتهمين.. الأنفاق.. وفتح المعابر.. تلك هى الأسباب الأربعة التى يرى الخبير الاستراتيجى اللواء دكتور طلعت موسى أنها تقف وراء مذبحة رفح والتى راح ضحيتها 16 من جنودنا البواسل. ويرى حسبما جاء فى حديثه ل «أكتوبر» أن هناك ضرورة ملحة لتعديل بعض بنود اتفاقية السلام حتى نتمكن من حماية حدودنا ومواجهة التنظيمات الإرهابية فى سيناء. وخلال السطور التالية يشير إلى ثلاثة محاور أساسية يجب تنفيذها حتى يتم التعامل بنجاح مع التطورات الساخنة التى تشهدها أرض الفيروز حاليا. *من واقع خبرتك العسكرية من تعتقد أنه القائم بعملية رفح الإرهابية. **حتى الآن لم تعلن أية جهة مسئوليتها عن الحادث وأجهزة التحقيق لاتزال تقوم بدورها فى كشف من هم الجناة، ولكن من قراءة العمليات الإرهابية السابقة. فإن الحادث الأقرب مشابهة لهذا هو الهجوم المسلح على قسم ثانى العريش فى 23 يوليو 2011، ومحاولة السيطرة عليه بواسطة «جيش الإسلام» بقيادة ممتاز دغمش الذى يتزعم التنظيم ويعمل على تكوين قاعدة لإقامة دولة الخلافة الإسلامية فى سيناءوغزة، هو فصيل إسلامى جديد أنشئ عام 2006، ويدعمه غلاة السلفيين الجهاديين بغزة وينسق أعماله ودعوته وأفكاره بين العديد من المنظمات المتطرفة الأخرى مثل منظمة التوحيد والجهاد ومنظمة التكفير والهجرة ومنظمة أنصار الجهاد، هذه المنظمات تستخدم غزة للاستضافة والاحتماء ولا تستخدم الجبال مقرا لها بصفة دائمة، حيث يتواجدون بها للتخطيط وقبل بدء تنفيذ العمليات الإرهابية، ثم يذهبون إلى غزة من خلال الأنفاق التى يبلغ عددها 1200 نفق والتى تمتد لمسافة 13.8كم على حدودنا مع غزة، حيث يتمتعون بكرم الضيافة والآمان. وأما عن الجبال التى يختبئون بها فى كهوفها والوديان المحيطة فإن أهمها جبال الحلال والحسنة والكسيمة وصدر الحيطان والجفجافة والجدى، حيث توفر لهم الحماية الطبيعية. *ما هى أسباب تلك العملية الإرهابية؟ **هناك خمسة أسباب رئيسية: أولا الانفلات الأمنى الذى شهدته مصر بعد أحداث ثورة 25 يناير وخروج المعتقلين والإرهابيين من السجون مع عدم استكمال الكفاءة التامة لجهاز الشرطة، والثانية: الإفراج عن المتهمين والمحكوم عليهم بالسجن فى قضايا سياسية وجنائية ثبت ارتكابهم بالفعل لتلك الجرائم واستئناف وتنشيط عملهم مع الخلايا الإرهابية الساكتة. أما السبب الثالث فهو فتح المعابر بين رفح وقطاع غزة بطريقة شبه دائمة مما سهّل تدفق العديد من العناصر المتطرفة واختبائها فى مقارات وكهوف جبال سيناء. الرابع عدم تدمير الأنفاق واستخدامها فى كل أنواع التهريب بين غزة ورفح من البشر والسلاح والمخدرات والمواد البترولية وكافة الممنوعات فى حين يأتى السبب الخامس متجسدا فى نشر الفكر الإسلامى السلفى المتطرف الذى يكّفر المجتمع والسلطات الرسمية للدولة، ويدعو إلى الجهاد من أجل قتالهم وإبادتهم وتكوين دولة الخلافة الإسلامية. *ما هو حجم القوات وأوضاعها على الأرض طبقا لاتفاقية السلام؟ **طبقا لاتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل عام 1979 وطبقا لما هو موجود على أرض الواقع، فقد قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج) المنطقة (أ) بعرض 58 كم ويتواجد بها 22 ألف جندى، و230 دبابة، و480 مركبة مدرعة وعدد من كتائب المدفعية والمدفعية المضادة للطائرات، ويمر الخط (أ) شرق المضايق الجبلية فى سيناء وهو خط الدفاع الطبيعى عن سيناء وقناة السويس. والمنطقة (ب) بعرض 109 كم ويتواجد بها 4 كتائب من قوات حرس الحدود وأجهزة الإنذار المبكر. المنطقة (ج) بعرض 33 كم ويتواجد بها الشرطة المدنية، وقد أضيف 750 جنديا من حرس حدود إليهم فى عام 2005 وقوات الأممالمتحدة. أما المنطقة (د) فإنها تقع داخل حدود إسرائيل بمسافة 3 إلى 5 كم ويتواجد بها 4 كتائب مشاة بواقع 4 آلاف جندى. *ما هى القوات الأجنبية المتواجدة فى سيناء؟ **يتواجد فى سيناء القوة متعددة الجنسيات (M.F.O) وتبلغ 2000 فرد من قوات 11 دولة تحت القيادة الأمريكية الراعية لمعاهدة السلام، وتقوم تلك القوات بمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية بين مصر وإسرائيل ولها مقر رئيسى فى روما ومقران إقليمان فى القاهرة وتل أبيب، بالإضافة إلى مكتب اتصال فى العريش وبئر سبع بالمنطقة الجنوبية فى إسرائيل، وتتمركز القوات فى منطقتين الجورة شمال سيناء بالمنطقة (ج) وشرم الشيخ جنوبا. كما تقوم بإجراء التفتيش الدورى لكلا الجانبين كل 15 يوما للتأكد من عدم زيادة القوات لأى من الطرفين فى المناطق المحددة ورفع تقارير إلى قيادة القوات وكلا الجانبين بنتيجة التفتيش، كما يمكن لها القيام بتفتيش مفاجىء بناء على طلب أحد الطرفين خلال 48 ساعة. *ما هى مقترحاتك لتعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ **أقترح أن يبنى تعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل على ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول: التعديل الجغرافى والمساحى للمناطق (أ، ب، ج) وذلك عن طريق ترسيم حدود هذه المناطق بما يتماشى مع التطور الشامل الذى تشهده سيناء فى الفترة المقبلة، وطبقا لرؤية القيادة العامة للقوات المسلحة وهذا لا يدعو إسرائيل إلى القلق، حيث إن التطور العلمى والتكنولوجى لوسائل الاستطلاع والإنذار والقيادة والسيطرة يوفر لها الأمن الذى تضعه دائما فى أسبقية أولويات سياستها الخارجية. المحور الثانى يتمثل فى تعديل حجم ونوعية القوات فى المناطق (أ، ب، ج) على أن يوضع فى الاعتبار استبدال قوات الشرطة المدنية المتواجدة فى المنطقة (ج) بالقوات الخاصة الصاعقة والمظلات وعناصر مكافحة الإرهاب والتى لها القدرة على العمل بكفاءة فى المناطق الجبلية مع دعمها بقوات خفيفة الحركة من المشاة الميكانيكية والتى لها القدرة على التتبع والمطاردة فى مختلف أنواع الأراضى، إضافة إلى إنشاء مطارات جديدة تتمركز بها المقاتلات والهليوكوبتر لتقديم المعاونة الفعالة لتلك القوات فى هذه المنطقة، بالإضافة إلى زيادة عدد الأفراد والأسلحة على اختلاف نوعياتها فى المناطق (أ، ب) بما يزيد من إمكانات وقدرات الدفاع عن سيناء، ويمكّن أيضا من مقاومة عمليات التسلل والتهريب والاختباء بين جبالها ودوربها ووديانها وزيادة تكثيف عدد نقاط الملاحظة ودوريات المراقبة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وأيضا إنشاء مطارات جديدة فى المناطق (ب، ج) وتمركز وحدات من القوات الجوية بها لسرعة التدخل فى المواقف الحرجة. أما المحور الثالث فيعتمد على إلغاء بنود أساسية جاءت فى صلب الاتفاقية وهى حذف البند 4 من المادة السادسة والتى تنص على أن يتعهد الطرفان بعدم الدخول فى أى التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة. وحذف البند (5) من نفس المادة السادسة التى تنص على أنه فى حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأى من التزاماتها الأخرى فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة. *من وجهة نظرك.. ما هو سبب التصريحات المتزايدة من جانب المسئولين فى إسرائيل عن عدم توافر الأمن فى سيناء؟ **تصريحات المسئولين الإسرائيليين من آن لآخر مع القيام بأى عمل إرهابى تأتى كلها من أجل إعطاء الانطباع وإقناع الرأى العام العالمى بعدم وجود سيطرة مصرية على سيناء وبث روح عدم الثقة بين القوات المسلحة المصرية وأبناء الشعب المصرى، وتكثيف الإحساس بأن أمن إسرائيل الداخلى فى خطر، وأن مصر أصبحت تشكل خطرا ومصدرا للانزعاج والقلاقل بالمنطقة، وفى نفس الوقت شغل الرأى العام الداخلى فى إسرائيل عن مشكلاته الداخلية التى تتمثل فى البطالة وارتفاع الأسعار وانتشار الفساد لتخفيف الضغط على القيادة الإسرائيلية. *إذن فما الذى يجب عمله الآن تجاه سيناء فى ظل هذه التطورات؟. **سيناء قطعة عزيزة من أرض الوطن ولها أهمية استراتيجية كبرى لحماية الأمن القومى المصرى والعربى، ولكن الإهمال الرسمى لها والانشغال عن قضاياها وثرواتها من قبل السلطات الرسمية السابقة أوصلها فى هذه الأيام لأن تكون مصدرا لتهديد الأمن القومى المصرى، ولذلك فإنه يجب التعجيل بالعمل الجاد لتنمية سيناء على ثلاثة محاور رئيسية يتم العمل خلالها بالتوازى. المحور الأول (الأمنى)، وذلك بالتنسيق بين القوات المسلحة والشرطة وأهالى سيناء، إضافة إلى تعديل بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل. والمحور الثانى (الديموغرافى)، وذلك بإنشاء مدن جديدة فى سيناء تعمل كمراكز جذب للكثافة السكانية عن طريق الخروج من الوادى ودمج المجتمع السيناوى مع النسيج الوطنى المصرى. أما المحور الثالث (الاقتصادى)، وذلك بالاهتمام بتنمية سيناء، حيث تمتلك العديد من المقومات الاقتصادية للدولة ويوجد بها مساحات شائعة صالحة للزراعة ومصادر المياه التى تتجمع فى جبالها ووديانها وإقامة السدود للاستفادة منها مثل سد الروافع، كما أن بها الثروة السمكية (بحيرة البردويل التى يبلغ طولها 95كم). وأيضا الثروات البترولية والمعدنية والمقّومات السياحية والصناعية. *هل لديكم رسالة تود توجيهها للقوى السياسية فى مصر؟. **أدعو الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى فى مصر إلى تغليب مصلحة مصر القومية على المصالح الخاصة والفئوية حتى يمكن مواجهة التهديدات الخارجية والدخلية التى تستهدف الأمن والاستقرار وحماية الأمن القومى المصرى. حوار : محمد أمين