أكد الحاج حسن العريف "شيخ الحانوتية" والملقب بحانوتي الثورة والذي شهد كواليس في غاية الأهمية لأحداث يناير المجيد، أن هناك عناصر مجهولة ومدربة قامت بخطف العديد من المرضى والمصابين والشهداء من المستشفيات، إلى جهات غير معلومة، موضحًا أن عمليات الخطف كانت تتم بحرفية عالية جدًا، ولكن لم يثبت أحد حتى الآن من هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بعمليات الخطف. وقال: كنا إذا سألنا أحد منهم يدعي أنه ولي أمره أو أحد أقاربه، وهناك مجموعة ادعت أنها من ثوار التحرير وأنهم يأخذون أصدقاءهم المصابين من المستشفى، خوفًا من "أمن الدولة" بعد ما تردد عن خطف المصابين من المستشفي وتسليمهم لجهات التحقيق. كما أكد أن عدد الشهداء في أحداث الثورة الذي أعلنته وزارة الصحة لا يعبر عن الرقم الحقيقي، وأن شهداء الثورة أكثر من ذلك بكثير، ففي أول ثلاثة أيام من الثورة كان معدل الوفيات 30 حالة وفاة يوميًا وكانت هناك مشكلة في استخراج تصاريح الدفن، حيث إن النظام تحفظ على جثث الشهداء وتعمد عدم استخراج تصاريح الدفن بحجة عرضها على الطب الشرعي، لأنه كان يخشى إثارة الرأي العام، واستغلال هذه الجثث في مواكب جماعية ومسيرات مناهضة له، وأضاف أن معظم شهداء الثورة الأوائل كانوا من الأقاليم وكان النظام مرعوبًا من زحف أهاليهم إلى العاصمة، ولذلك قرر التحفظ على الجثث ومنع تسليمها لأهلها. وأضاف "حانوتي الثورة" أنه بعد امتلاء ثلاجة مشرحة زينهم بأكثر من 600 جثة صدرت التعليمات باستخراج تصاريح الدفن، وأن مفتشي الصحة كانوا يعملون حتى الساعة الثالثة عصرًا فقط ويرفضون استخراج تصاريح الدفن بعد الثالثة بحجة حظر التجوال، ولذلك كانت جثامين الشهداء الذين يسقطون بعد الثالثة تظل في الثلاجة، ولا يسمح باستخراج تصريح دفن له أو تسليم جثته لأهله حتى لا ينزل الناس لميدان التحرير. وقال الشيخ العريف: كنا مجبرين على العمل والخروج مع الأهالي لدفن الشهداء، بسبب كثرة الضحايا وبسبب إلحاح ودموع الأهل، وكنا نغامر ونسافر المحافظات النائية رغم حظر التجوال ورغم تحذيرات النظام لنا وبالفعل كانت الجثث التي نحملها إلي المحافظات هي شرارة الوقود التي أشعلت الثورة فكنا عندما ندخل محافظة بجثة شهيد تشتعل نيران الثورة في المحافظة ويزداد الزحف على ميدان التحرير، ولذلك قرر النظام وقف هذه العملية، فأطلق إشاعة تؤكد أن سيارات الإسعاف وسيارات نقل الموتى تعمل لحساب الداخلية وتستخدم في قمع المتظاهرين ونقل الأسلحة رغم أن هذه العملية كانت قاصرة على ميدان التحرير فقط. وأوضح العريف أن هذه الإشاعة كادت أن تعصف بالثورة حيث اعتدى البلطجية الذين استأجرهم النظام السابق والمواطنون باللجان الشعبية على سيارات نقل الموتى ودمروا عددًا كبيرًا منها، وتعدوا بالضرب والسحل على السائقين والحمالين والحانوتية، مما اضطره وباقي الحانوتية إلى وقف نقل الجثث في أوقات الحظر. وعن حقيقية المقابر السرية والجماعية التي كان يستخدمها الجهاز لإخفاء ضحاياه وجرائمه، قال العريف إن وزارة الداخلية وتحديدًا جهاز "أمن الدولة" السابق لم يكن له مقابر سرية على الإطلاق، لأن جهاز أمن الدولة كان "يقتل القتيل ويمشي في جنازته"!! والمقابر التي يدفن فيها ضحاياه معلومة، وهي مقابر الصدقة التي يتم فيها دفن مجهولي الهوية وأطفال الشوارع، مؤكدًا أنه لو تم القبض على أحد المواطنين وتوفي أثناء التحقيقات من آثار التعذيب كان جهاز أمن الدولة يقوم بتغسيله وتكفينه واستخراج تصاريح الدفن، ويتم إخطار أهله لاستلام جثته قبل الدفن مباشرة، وكان ضباط أمن الدولة يقومون بدفنه "أمام أهله"، وإذا رفض الأهل استلام جثته كانوا يقومون بدفنه في مقابر الصدقة التابعة لمحافظة القاهرة "على عينك يا تاجر". وأوضح أن مقابر "أمن الدولة" نوعان فقط ، الأولى هي "مقابر المحافظة" وتتبع محافظة القاهرة، وهي مخصصة لدفن الموتى في الكوارث والأزمات مثل ضحايا الزلزال والفيضانات وشهداء الثورة فقط وغالبية هذه المقابر هي مقابر جماعية واسعة جدًا، وتسع مئات الجثث في وقت واحد، لأن مساحتها غير عادية، والنوع الثاني هو "مقابر الصدقة" وهي تتبع أيضًا محافظة القاهرة وموجودة بالبساتين، وهي مخصصة لمجهولي النسب والهوية وأطفال الشوارع، وأكد أن المعروف لدي جميع المسئولين وجميع الحانوتية أن وزارة الداخلية تدفن الجثث في هذه المقابر بعد "تقنيين الإجراءات"، وليس في مقابر سرية كما يدعي البعض. وعن طريقة "تقنين الإجراءات" الذي كانت تقوم به وزارة الداخلية قال إن جهاز أمن الدولة عندما كان يقوم باستدعاء أي مواطن للتحقيق معه ويتم تعذيبه ويتأكد الضباط أنه أوشك على الموت، فيقومون بالاتصال بالإسعاف لإدخاله المستشفى وقد يصل إلى المستشفى جثة هامدة ويتم استخراج تصريح الدفن له ثم التحفظ علي الجثة بعد تغسيلها وتكفينها لحين إخطار أهله، وأشار إلى أنه لا يسمح لأحد بالاقتراب من الجثة إلا القريب من الدرجة الأولى فقط ويقوم ضباط أمن الدولة أنفسهم بتشييع الجثمان حتى يدفن في مقابر الأسرة، فإذا رفضت أسرة المتوفى استلام الجثة يتم إيداعه في الثلاجة لمدة 15 يومًا ثم يتم دفنه في مقابر المحافظة أو الصدقة. وعن حالات التعذيب داخل أقسام الشرطة، قال: كانت تتم بطريقة سيئة جدًا حيث كان قسم الشرطة يرسل القتيل جثة هامدة في سيارة الشرطة "البوكس"، ويدخل إلى المستشفي تحت بند "تحفظ" ويستخرج له تصريح دفن وشهادة وفاة ويتم التعامل معه بنفس الطريقة السابقة ويدفن تحت الحراسة المشددة، حيث كانت أقسام الشرطة ترسل للمستشفيات حالات كثيرة جدًا تحت بند "تحفظ" ويزعم ضباط الشرطة أنهم عثروا على الشخص صاحب الجثة وهو "ميت" وأنهم لا يعرفون سبب الوفاة، ولكن لم يكن أحد يصدقهم في هذا الأمر، لأن جميع إجراءات الدفن كانت تتم تحت تصرف الشرطة، وهو ما يوحي بأن الأمر غير عادي، والدليل على ذلك أن هناك حالات كانت تأتي من أقسام الشرطة، وهي مشوهة جدًا وبدون بطاقة شخصية، ويتم استخراج تصاريح دفن لها على أساس أنه "مجهول الهوية"، ويدفن في مقابر المحافظة أو مقابر الصدقة. وأكد العريف أنه شاهد الكثير من هذه الحالات، وقال: قبل الثورة أرسل لنا قسم شرطة الهرم جثة شخص يدعى "سيد" محملة في سيارة الشرطة "البوكس" الخاصة بالشرطة تحت بند "تحفظ"، وكان به آثار تعذيب وتم "تقنين الإجراءات" ثم دفن بمعرفة ضباط القسم، وفي التجمع الخامس حضرت سيارة الشرطة "البوكس"، وبها جثة لأحد المواطنين وادعى الضابط أنه عثر عليه ميتًا بالشارع وقام الدكتور محمد إسماعيل، مدير الاستقبال، وقتها بمستشفى المقطم بالكشف عليه ورفض استخراج تصريح دفن له، وأكد أنه ميت بسبب آثار التعذيب فقام الضابط بالاتصال بقيادات الداخلية، ففوجئنا بالمستشفى امتلأت بالضباط والعساكر وأمن الدولة وحضر معهم مفتش صحة بعد أن اتصلوا بوزير الصحة واستخرج لهم تصريح بالدفن وقام الضباط بتغسيله وتكفينه وأمروني بدفنه في وجود أهله ومنعوهم من مجرد الاقتراب من الجثة. بينما نفى شيخ الحانوتية حدوث ذلك مع شهداء الثورة، قائلًا إن وزارة الداخلية سقطت تماما منذ يوم جمعة الغضب وعجزت تمامًا عن ممارسة أساليبها السابقة في قمع المعارضين للنظام، ولكن تدفق وزيادة أعداد الشهداء كان يزداد يومًا بعد يوم حتى امتلأت ثلاجة مشرحة زينهم عن آخرها ووصل عدد الجثث بها لأكثر من 600 جثة وأغلبهم مصاب بطلق ناري خرطوش في الرأس أو في البطن فقط وبتصويب محكم ودقيق، وهو ما يؤكد أن من قام بهذه العملية قناص وليس إنسان عادي، موضحًا أن الإصابات التي شاهدها وغيره من الحانوتية في جميع الشهداء تؤكد أن من قتلهم "قناصة" وفريق واحد وتحت إشراف قيادة واحدة ويحكمهم منهج وتدريب واحد.