أيد مفكرون وعلماء أزهريون المبادرة التي أطلقها الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤخرًا لإجراء حوار مع أتباع الديانات الشرقية الوثنية الأخرى، الهندوسية والبوذية والسيخية والكونفوشوسية، قائلين إنه قد يكون أجدى وأنفع للمسلمين من الحوار الإسلامي المسيحي الدائر منذ سنوات، والذي واجه فشلاً جراء كراهية الغرب للإسلام والمسلمين والسعي إلى تشويه صورته عبر وصمه بالإرهاب والتطرف. ورجحوا أن يحظى الحوار المزمع بالنجاح بفرصة كبيرة بسبب عدم تواجد جماعات الضغط اليهودية المنتشرة بأوروبا، وأنه يمكن أن يخفف من حدة التوتر والاضطهاد السائدة ضد المسلمين في الهند والصين وتايلاند، مؤكدين أن هذا النوع من الحوار لا يرفضه الإسلام، وأنه لا تعارض بين الشريعة الإسلامية والتحاور مع أصحاب الديانات الأرضية، لأن الرسول تحاور مع المشركين ولقوله تعالى "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ". وكان الدكتور القرضاوي أعلن عن المبادرة للحوار مع أصحاب المعتقدات الوثنية، موضحا أن التفاهم والتقارب مع أتباعها أفضل من التباعد، لأن كثيرا من المسلمين يعيشون متجاورين أو متلاصقين معهم، مشيرا إلى تنظيم ندوة لأول مرة في العاصمة الهندية نيودلهي يومي 20 و21 فبراير المقبل للحوار مع أتباع هذه الديانات. ورحب الدكتور محمد الشحات الجندي رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالدعوة لإجراء هذا الحوار انطلاقا من عدم رفض الإسلام للآخر حتى لو كان من غير أتباع الديانات السماوية، خاصة وأن الذين يدينيون بديانات غير سماوية يبلغ عددهم نحو نصف سكان العالم ولا يمكن تجاهلهم. ودلل على عدم وجود موانع لإجراء هذا الحوار بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن المجوس "سنوا بهم سنة أهل الكتاب على ألا نأكل ذبيحتهم وصيدهم"، معتبرا أن قول الله تعالى "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" لا يعني اقتصار الحوار على أصحاب الديانات السماوية ورفض الحوار مع أصحاب الديانات الوثنية أو الشرقية وإنما للحوار مع أصحاب الديانات السماوية خصوصية، لأنهم أقرب للمسلمين في تصورهم العقائدي. وشاطره الرأي الدكتور عبد الغفار هلال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقا مؤيدا دعوة القرضاوي للتحاور مع الشعوب الآسيوية التي تدين بديانات أرضية، لكونها بحاجة إلى التعرف على الإسلام، خاصة وأن عدد المسلمين في آسيا يفوق أعداد المسلمين بأوروبا بعشرات المرات، وأنه من الأهمية أن يجري المسلمون حوارا مع أصحاب تلك الديانات لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية بين هذه الشعوب. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الحوار قد يعود بالفائدة على المسلمين من التحاور القائم مع الغرب منذ سنوات طويلة ولم يحقق فائدة تذكر، فيما أرجعه إلى عدم اهتمام الغرب بالحوار مع المسلمين بقدر اهتمامه بتحقيق مصالحه الذاتية، فضلا عن عدم توافر الرغبة الحقيقية لديه للتحاور مع المسلمين لإنهاء العنصرية السائدة تجاههم. في المقابل، أكد أن الشعوب الآسيوية بحاجة إلى انفتاح المسلمين عليها بشكل أكبر، خاصة وأن أغلبها غير مقتنع بالديانة التي يدين بها، والدليل على ذلك تزايد النشاط التنصيري بين تلك الشعوب، حيث تؤكد أن التقارير أن المسيحيين أصبحوا يشكلون أكثر من 60 % من سكان كوريا الجنوبية، جراء تصاعد النشاط التبشيري هناك. ولم يختلف الدكتور محمد يحيى المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب الإنجليزي مع سابقيه في التأكيد على ضرورة إجراء هذا الحوار، واصفا مبادرة القرضاوي ب "الجريئة والقوية" وأنه يجب مساندتها حتى تنجح بعد أن فشل الحوار مع الغرب الذي يفتقد للمصداقية في التحاور مع المسلمين. وقال إن الإسلام لا يرفض مبدأ التحاور مع أصحاب الديانات والعقائد الأخرى فهو مطلوب للتعاون والتعارف، خاصة أن تلك الشعوب ليس لديها حساسية ضد الإسلام والمسلمين كما هو الحال بالغرب، ويرى أنه لا يمكن تجاهل الحوار مع أصحاب الديانات الأرضية، فالدول الآسيوية دول صاعدة اقتصاديا وسياسيا وتشير التوقعات إلى سيطرة عدد منها على الساحة العالمية خلال عقود. لكن الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الفلسفة والأخلاق الإسلامية اشترط أن تكون الجهات التي تقوم بهذا الحوار جهات مستقلة وغير حكومية حتى ينجح الحوار ولا يلقى نفس مصير الحوار الإسلامي المسيحي، معربا عن أمله في أن ينجح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في هذه المهمة الرامية لتحقيق التقارب بين الإسلام والآخر.