في مفاجأة من العيار الثقيل قرر السيد الرئيس تعيين المستشار حاتم بجاتو وزيرًا للدولة للشئون القانونية والبرلمانية والخبر من فرط مفاجأته لي أضحكني وأنا كرجل رياضي الأخلاق أحب أن أشجع اللعبة الحلوة باستمرار "بغض النظر عن نضافة اللعبة" لكني أشجع اللعبة الحلوة، وفي تعيين السيد المستشار حاتم بجاتو وزيرًا للشئون القانونية والبرلمانية لعبة حلوة على محورين: المحور الأول متعلق بالسيد بجاتو نفسه والمحور الثاني متعلق برئيس البلاد، والحقيقة أن السيد بجاتو له تاريخ مع الإخوان بدأ "فيما أعلم" منذ إعداد مسودة التعديلات الدستورية الأولى التي تولي بموجبها المجلس العسكري شئون القطر في مارس من العام 2011 في هذا الوقت ظهر السيد المستشار في حلقة تجمعه مع الإخواني صبحي صالح والمستشارة تهاني الجبالي مدافعًا عن التعديلات الدستورية، وكان يدافع عنها بحماس مفرط وقد بدت عليه معالم إرهاق كان واضحًا لي على الأقل أن به قدر من المبالغة بينما كانت تهاني الجبالي تحمل على هذه التعديلات أشد حملة وفي الحقيقة أنني فسرت ذلك وقتها "لفرط سذاجتي" بأن السيد حاتم كان من رجال المجلس العسكري. المحطة الثانية في علاقة السيد حاتم بجاتو بالإخوان كانت مع واقعة قانون الانتخابات المفخخ الذي أعده أو شارك في إعداده السيد حاتم بجاتو والحقيقة أنه طبقًا لرواية السيد حاتم فإن الرجل حذر المجتمعون وقتها أن القانون بهذا الشكل لن يكون دستوريًا وهو ما آلت إليه الأمور بالفعل في نهاية المطاف. المحطة الثالثة هي الانتخابات الرئاسية، في البداية هناك واقعة "حازم صلاح" الإخواني وقضية والدته رحمها الله والجرين كارد وما إلى ذلك وبدا للعامة أن المستشار بجاتو كان هو من تولى كبر هذه الواقعة إلا أن المستشار بجاتو قام بعمل في رأيي غاية في الغرابة فقد استدعى قوى إسلامية عرفت "فيما بعد على الأقل" بولائها الشديد لجماعة الإخوان وأنا هنا أتكلم عن بعض الممثلين للهيئة الشرعية لحقوق الإخوان بالإضافة لبعض الموالين للزعيم السياسي الإخواني حازم ليشهدوا بأنفسهم من واقع الورق ما يثبت أن والدة حازم أمريكية وهي القصة ذات النهاية المعروفة. وتصرف بجاتو هنا لم يكن متسقًا مع التصرفات القضائية المرتبطة في الغالب بشيء من التعالي اللائق بمنصة القضاء لكن تصرف المستشار بجاتو كان واضحًا فيه مراعاة المصلحة السياسية وقتها. ثم لحق بذلك واقعة دورة الإعادة في انتخابات الرئاسة وما أشيع وقتها من كون المستشار بجاتو وآخر تغير اسمه أكثر من مرة العقبة في سبيل التزوير وأعلنا استعدادهما لفضح الأمر برمته لو تم إعلان فوز شفيق رئيسًا. لحق ذلك المحطة الرابعة الجمعية التأسيسية والزيارات المتكررة لبجاتو للقصر الجمهوري حتى أنه التقى المستشار الغرياني هناك ذات مرة "بالصدفة" وعلق على مشروع الدستور وأثنى عليه !! ثم لحق ذلك قيام المستشار بجاتو بزيارة للجمعية التأسيسية بهدف مناقشة مواد المحكمة الدستورية بها، والتي انتهت في النهاية بمادة "عزل المستشارة تهاني" المعروفة خطأ بالمادة 233 من الدستور. وبرغم أن هذه المادة أطاحت ببجاتو نفسه من الدستورية إلا أنه لم يذهب بعيدًا فقد بقى في هيئة المفوضين رئيسًا لها وهو منصبه الأصلي. ولم يثر المستشار بجاتو زوبعة كالتي أثارتها تهاني الجبالي إثر عزله بل إنه ظهر في لقاء تلفزيوني لاحق ليقسم بالله على الهواء مباشرة أن الرئيس مرسي نجح في جولة الإعادة بلا أي تدخل من أحد! المحطة الخامسة ثم هدأت أخبار المستشار بجاتو تمامًا حتى فوجئنا بتردد اسمه في قضية الهروب الجماعي لسجناء سجن وادي النطرون حيث طلب للشهادة على هروب السيد رئيس الجمهورية من السجن وقتها! كان هذا الخبر في 30 إبريل عام 2013 لنفاجأ بعدها بأسبوع واحد بخبر تعيين بجاتو وزيرًا! والراجح لدي استقراء من هذا الموقف أن السيد المستشار كرجل ذكي قرأ الموقف من بدايته قراءة سليمة وراهن على الحصان الكسبان في سباق السلطة ولم يلق نفسه في أحضان العسكري كما فعل بعض زملائه الأقل حظًا "وعقلًا أيضًا". ولعب السيد حاتم لعبته وعقد صفقة لا بأس بها مع الإخوان حتى لو لم تكن منطوقة فقام بتقديم عدد لا بأس به من الخدمات للإخوان منها ما حدث وقتها من تسريب عن اعتزام الدستورية عزل مرسي، وهو ما تم وأده بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية بالكامل بناء على الدستور الجديد. وكعادة الإخوان في صفقاتهم كما تنكروا للعلمانيين والسلفيين تنكروا أيضًا للمستشار بجاتو، ولأن المستشار رجل ذكي ليس كالآخرين فقد قرر أن يذكر أصدقاءه الإخوان بأنه ما زال قادرًا على إيلامهم وذلك بتمرير اسمه لهيئة الدفاع بقضية وادي النطرون! هنا ينبغي أن تعلن احترامك للعبة الحلوة التي لعبها المستشار بجاتو الرجل راهن على نجاح الإخوان من البداية وساعدهم فنجحوا ثم عندما أحبوا أن يلعبوا به كما لعبوا بغيره "قرصهم" حتى أفاقوا. على الصعيد الآخر هناك اللعبة الحلوة من جانب الرئيس والحقيقة أن السيد الرئيس منذ توليه ملك مصر وهو يقرب القضاة بالكلام والمناصب لكنه في رأيي راهن على الفرع الخاطئ في القضاء وهو فرع الاستقلال فقد قرب الأخوين مكي فعين أحدهما وزيرًا للعدل والآخر نائبًا لرئيس الجمهورية ثم عين هشام جنينة في منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات. والسؤال ماذا جنى الرئيس من تقريب قضاة الاستقلال.. لا شيء بل إن المستشار مكي وزير العدل سلب السلطة التنفيذية السلاح الوحيد الذي كانت تحمله على رقبة القضاة وهو التفتيش القضائي ومنحه للمستشار البلشي والرجل معروف بميوله الاستقلالية! أضف إلى هذا أن قضاة تيار الاستقلال عندما وصلوا للمناصب حاولوا الحفاظ على استقلالهم فلم يقدموا الدعم الذي كان الرئيس يحتاجه والرئيس لم يكن يحتاج المشورة أو كان يحتاجها لكن ما كان "يريده" هو دعم من الذي كان يلقاه مبارك من قضاته. والذي أظنه أن الرئيس قد غير حساباته فيما يتعلق بالقضاة وقرر أن يبقى على علاقة لطيفة بقضاة الاستقلال من خلال تعيين وزير عدل منهم ثم عين في منصب آخر شريحة أخرى من القضاة وهم من يمثلهم المستشار بجاتو وهم قضاة الدولة أو الأشخاص القادرين على "إنفاذ سياسات الدولة" ورغبات الحاكم. هذا التحرك لو نجح مع قدر من التنازل من جهة الرئيس وتقديم بعض المنح للقضاة والتي أهمها قضية تعيين أبناء القضاة، فقد ينجح الرئيس في تحييد القضاة وهو ما يعني بالتبعية بالمناسبة السيطرة على الكثير من وسائل الإعلام التي تعتمد على لغة التجاوز والإسفاف في حقه. هنا يجب عليك كمواطن أن تحترم هذه التحركات الشطرنجية الفهلوية الذكية والتي إن اتسمت بالذكاء والتخطيط والرمي الاستراتيجي بعيد المدى إلا أنها غابت عنها روح النظافة والمبادئ تمامًا وعرفت التحول والتلون ولغة الصفقات. على كل حال لو تعلمنا درسًا واحدًا من التاريخ فهو أن "نصف أحداث التاريخ ...عشوائية تمامًا".