ما أسخف أن تشعر بالعجز عن حل مشكلة ما، ولكن الأسوأ منه أن يقعدنا الإحباط.. عن التفكير في المزيد من الحلول، فكل مشكلة تهون تمامًا متى وجدت العزيمة والإراداة القوية التي ترفض الاستسلام لها، مرة أخرى مع أزمة السولار نغوص في أعماقها ونفهم أسبابها ونفتح الباب للنقاش حولها، بما قد يساهم في تقديم الحلول. ردود أفعال ورسائل عديدة تلقيتها بعد نشر مقال الأسبوع الماضي، والذي تناولت فيه قضية تهريب السولار كأحد الأسباب المهمة في خلق الأزمة المستمرة التي أصابت الكثيرين بالإحباط، صحيح أن الأرقام كانت مفزعة؛ ولم يكن البعض يتصور أن عصابات التهريب قد وصلت إلى هذا المستوى من الإجرام، ولكنها الحقيقة التي يجب أن نتعامل معها فلا ندفن رؤوسنا في الرمال، واليوم.. نواصل البحث في جذور الأزمة، ونفهم أسبابًا جديدة قد لا يعرفها البعض، نتيجة أن ملف الهيئة العامة للبترول ما زال وبكل أسف هو الصندوق الأسود الذي لا يعرف أحدًا محتواه من موارد أو مصروفات، ولذلك لم يكن من اليسير أن نتوصل لأرقام دقيقة في مقالنا هذا، ولكنها هي الأقرب للحقيقة طبقًا للعديد من المصادر. أحد الأسباب المهمة وراء أزمة السولار في مصر يرجع إلى الخلاف بين الهيئة العامة للبترول والشركاء الأجانب، نتيجة الالتزامات المتراكمة على الهيئة لصالح هؤلاء الشركاء، بما يدفعهم إلى الاتجاه لعرض كميات السولار لديهم لأطراف أخرى بالسوق العالمية، والتي بدورها تمتنع عن تصدير السولار لمصر دون تقديم ضمانات نقدية كافية، وهنا تظهر المشكلة التالية وهي الضريبة التي نسددها الآن عن فساد النظام السابق، فالحكومة الحالية ورثت ديونًا لشركات النفط تزيد عن 5 مليارات دولار نصفها مدفوعات متأخرة، يأتي على رأسها مستحقات شركة (بريتش بتروليوم) البريطانية التي تجاوزت 3 مليارات دولار حتى نهاية 2012، منها نحو مليار دولار تأخر سدادها، بينما تبلغ مستحقات شركة (بريتش جاز) أكثر من 1.3 مليار دولار، صحيح أن معظم شركات النفط تأمل في الحصول على مستحقاتها كاملة، لكنها تقر بأن ذلك قد يستغرق عدة سنوات، وبالرغم من أنها لا تزال تخطط للاستثمار في مشروعات جديدة بمصر، إلا أن مسألة الديون تظل تحديًا، وقد يؤدي تأجيل السداد للشركات المنتجة للنفط والغاز إلى إعاقة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. العلاقة مع شركات التنقيب عن النفط، هي واحدة من أهم القضايا التي تحتاج إلى دراسة متعمقة لنغير أوضاعًا خاطئة نشأت بعد حرب عام 1973، عندما كان الاقتصاد المصري في مرحلة ركود تام، ولم تكن هناك وسيلة لجذب استثمارات الشركات في مجال البترول، ولذلك فقد قبلت مصر من ذلك الحين توقيع عقود مجحفة مع تلك الشركات، حيث يقوم الشريك الأجنبي بالحصول على حق الاستغلال والتنقيب في منطقة محددة، وعند العثور على النفط فإنه يسترد مصروفاته كاملة، وعقب ذلك تدفع الحكومة ممثلة في الهيئة العامة للبترول، للشريك الأجنبي أرباحه، ثم تدفع الهيئة الضرائب عن أرباحها وأرباح الشريك الأجنبي، والباقي يقسم بين الشريك والدولة، هذا النظام من الاتفاقيات تم تغييره في معظم دول العالم، ففي دول بحر الشمال مثلًا نجد أن الاتفاقيات لا تعطي الحق للشركات الأجنبية في استرداد تكاليف التنقيب عن النفط، حتى في حالة اكتشافه بكميات تجارية، بالإضافة إلى ذلك فقد حان الوقت الآن لفتح المجال لدول جديدة مثل الصين وماليزيا لتدخل مجال الاكتشافات البترولية في مصر، وهو ما سيفتح مجال المنافسة، ويحقق أكبر قدر من الفائدة للبلد. المشكلة التالية في أزمة السولار هي الرقابة على مسألة توزيعه لمحطات الوقود التي يبلغ عددها حوالي 2800 محطة، نصفها يتبع شركتى (مصر للبترول) و(التعاون) الحكوميتين، فيما يتوزع الباقى على 7 شركات رئيسية تتبع القطاع الخاص والشركات العالمية، بخلاف شركة (وطنية) التابعة للجيش، وتصل الإمدادات للمحطات من مستودعات الهيئة العامة للبترول عبر شركات للتوزيع معظمها تابع للقطاع الخاص، وهنا تؤكد المعلومات وجود تراخيص لمستودعات وهمية ليس لها وجود على أرض الواقع، حيث يقوم أحدهم بعمل ترخيص لمستودع بنزين أو سولار، ويأخذ الحصة المقررة له ويبيعها في السوق السوداء، وحسنًا فعلت وزارة البترول عندما بدأت الاستعانة بشركة (بتروتريد)، وأنشأت بها إدارة عامة للرقابة على محطات البنزين، كما بدأت وزارة التموين في اتخاذ الإجراءات اللازمة في تعيين مفتشين من الشباب لتغطية كافة محطات الوقود في مصر، انتظارًا لتطبيق الكارت الذكي.. الذي سيمثل حلًا جذريًا لقضية التلاعب والتهريب. ولكن كيف يمكن تحقيق الرقابة الفعالة على السولار؟ وكيف يمكن ضمان وصول الدعم لمستحقيه؟ وما هي الحلول الفعالة على المستوى الزمني القصير وعلى المستوى الاستراتيجي؟ هذا ما سوف نناقشه بالتفصيل في الأسبوع القادم إن شاء الله. [email protected]