اليمن "السعيد" في الماضى صار ساحة للفقر والفوضى والحروب والتنافس الاقليمي. ها هي الولاياتالمتحدة تكشف نواياها للتدخل العسكري بحجة مطاردة تنظيم القاعدة، وها نحن نقرأ كل يوم عن قتل زعيمه أو قائده العسكري، ولو أحصينا كم قتل الجيش اليمني خلال الأسبوعين الماضيين، سنكتشف أن زعماء القاعدة أكثر عددا من عناصرها. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، فقد قتل حتى الآن عدة مرات، كأنه يتم استنساخه في كل مرة قبل الاجهاز عليه، أو أن منه نسخا عديدة، ما أن ينتهي جيش اليمن من واحدة حتى تخرج أخرى! من يعرف جغرافية اليمن لا يحتاج لاجهاد ذهنه بحثا عن خلفيات لقب "السعيد" الذي عرفت به هذه البلاد تاريخيا، فمن خصوبة وديان كثيرة مخضرة لدرجة أنك تصعد جبالها على بساط أخضر، إلى قدرتها على انتاج محاصيل عديدة، لا يمكن اغفال أكثرها شهرة وهو "البن" الذي قلبته فوضى الحكم والتوريث إلى مزارع ممتدة للقات ليتم نفخ أوداج الشعب بهذا المخدر فينام من القيلولة حتى يأتيه الليل! لقد انتهت أمريكا فعليا أمام أشداء طالبان المحاربين، سواء أفغانية أو باكستانية، فتستعد الآن لتحط في اليمن الذي يتخذ موقعا استراتيجيا في الخليج ويتحكم في مسارات المياه الدولية، خصوصا باب المندب الذي أغلقته البحرية المصرية في حرب أكتوبر، وأدرك محمد علي والي مصر منذ زمن بعيد جدا أهميته كعمق استراتيجي لها فمد سيطرته إلى هناك وصولا إلى ارتيريا. قد يتمخض المؤتمر الدولي القادم عن اليمن عن اقرار التدخل الأمريكي مستترا بما يسمى قوات الحلفاء، للايحاء بأن الهدف هو الحرب على القاعدة التي يقولون إنها فرت من جبال أفغانستان والعراق واستقرت في هذا البلد الجميل. ويضعون أسماء تحت الطلب للايحاء بأنهم يشكلون خطرا على أمن العالم والولاياتالمتحدة وأنهم يتخفون في الجبال اليمنية الجنوبية أو في حماية القبائل، مثل أنور العوقلي الأمريكي المولد الذي كان إماما لعدة مساجد ومراكز إسلامية في أمريكا. مجرد واعظ وداعية، وينتمي لأسرة يمنية معروفة وقبيلة عريقة، لكنهم وضعوا التوابل للايحاء بأنه صيد ثمين لابد من الايقاع به، مع أنهم تركوه يغادر إلى اليمن عام 2002 بعد أن شكوا في علاقته بثلاثة من الذين نفذوا هجمات سبتمبر لأنهم كانوا يصلون في مسجده. وقالوا إن النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب الذي قيل أنه حاول تفجير طائرة أمريكية فوق ديترويت قابله في اليمن في العام الماضي عندما كان يدرس في أحد معاهدها الدينية، وكان على علاقة به بالبريد الالكتروني، وهو ما لم ينفه أنور العوقلي، لكنه ذكر بأن ذلك لم يكن أكثر من مراسلته عبر موقعه الالكتروني سائلا عن أمور دينية وشرعية. وعندما ظهر والده الدكتور ناصر العوقلي وزير الزراعة اليمني السابق قبل أيام في السي ان ان كشف مدى البهتان الأمريكي وحاجتهم المستمرة لصناعة طواحين هواء يحاربونها ويحققون من وراءها مصالحهم. طلب منهم الرجل أن يمنحوه وقتا ليأتيهم بابنه الذي لا يختفي مع عناصر القاعدة في الجبال كما يزعمون، بل في حماية قبيلته "ابني ليس أسامة بن لادن ولا علاقة له بالقاعدة، إنه داعية وفقيه، حقا له أراؤه المتشددة، لكن ذلك يحميه الدستور الأمريكي في إطار حرية الرأي. لا يريدون إلا قتله. من العيب أن تقوم أمريكا بقتل أحد مواطنيها". هذا هو نص كلام الوزير السابق والد من تقول أمريكا إنه أسامة بن لادن اليمن. علماء الدين اليمنيون أدركوا ما يجهز لوطنهم. أفغانستان جديدة أو عراق جديد، فأكدوا يوم الخميس الماضي أنهم سيعلنون الجهاد في حالة التدخل الخارجي. بفعل فوضى الحكم التوريثي سبقت إلى هناك ايران، التي أصبحت لاعبا اقليميا مؤثرا مستغلة الطائفية والمذهبية، اللتين تفتحان الطريق أمام التدخل في دول صارت هشة لحرص أنظمتها على الكراسي والوجود في الحكم إلى أن يقتلعهم زالزال مدمر كالذي تعرضت له هايتي! ليكن لنا في اليمن عبرة، فهي دولة شقيقة تخطو بسرعة إلى التفكك والضياع. هذه هي خريطة نظامها التوريثي التي تجعلنا لا نحتاج لتحليل لنعرف لماذا تحول من يمن سعيد إلى يمن ممزق الجسد، مقيح الجروح. "أحمد" الابن الأكبر للرئيس علي صالح، هو قائد القوات الخاصة، وعم زوجته الرابعة أحمد محمد الكحلاني محافظ عدن في الجنوب وعضو مجلس النواب، والأخ غير الشقيق له علي محسن الأحمر قائد اللواء الأول والمنطقة الشمالية والغربية في الجيش، وعمر الأرحبي شقيق زوج الابنة مدير شركة النفط اليمنية، وعبدالكريم الأرحبي عم زوج الابنة نائب رئيس الوزراء ومدير الصندوق الاجتماعي للتنمية، وخالد الأرحبي زوج الابنة مدير القصور الرئاسية، ومحمد صالح الأحمر، أخ غير شقيق، قائد القوات الجوية، ويحيي محمد عبدالله صالح، ابن الأخ، قائد قوات الأمن المركزي، وطارق محمد عبدالله صالح، ابن الأخ، قائد الحرس الخاص، وعمار محمد عبدالله صالح، ابن الأخ، مساعد مدير الأمن القومي، وأحمد عبدالله الحجري، والد الزوجة الثانية، محافظ محافظة تعز، وعبدالوهاب عبدالله الحجري، شقيق الزوجة الثانية، سفير اليمن في واشنطن، وعبدالرحمن الأكوع شقيق الزوجة الثالثة، وزير الشباب والرياضة، وخالد عبدالرحمن الأكوع، شقيق الزوجة الثالثة، وكيل وزارة الخارجية، وتوفيق صالح عبدالله صالح، ابن الأخ، رئيس شركة التبغ والكبريت الوطنية، وعبدالخالق القاضي، خال الرئيس، قائد لواء مجد بتعز، وعلي صالح الأحمر، أخ غير شقيق، قائد القوات المسلحة، ومهدي مقولة من قرية الرئيس، قائد المنطقة الشرقية، وصالح الظنين من قرية الرئيس، قائد قوات خالد، ونعمان دويد، زوج الابنة، محافظ محافظة عمران. حتى لا يحتج البعض بأنني أشغلهم بقضية بعيدة عنهم، أقول إذا طارت حمامة من مصر، يمكنها أن تأتي في حوصلتها بالبن من اليمن. الظروف والملابسات والمناخ متشابه إلى حد كبير. الولاياتالمتحدة التي تتحدث عن الحرية والديمقراطية والعدالة، تساند هذا النظام الغريب الذي حول دولة إلى شبكة عائلية! لا أعرف ما الذي سيأتي به الغد لليمن، ولا أعرف ما سيأتي به لمصر. اللهم ألطف بنا.