إن المتتبع للأحداث المتلاحقة في مصر، والتي يلهث الشعب المصري من سرعة متابعتها، فما أن تخمد فتنة حتى تندلع فتن، وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يرفضها البعض بحسن ظن يحسد عليه، ويحملها البعض كامل المسئولية بسوء ظن يلام فيه، جاءت أحداث الخصوص وما تلاها من مشاهد مؤسفة عند كاتدرائية العباسية لتلقي بظلالها على نقاط هامة لا يجب أغفالها عند الانشغال والبحث عن تحديد المسئول، خاصة وأن هناك تهم معولبة، ومسئوليات مقولبة ورغبات تلوي الحقائق لتحاول الوصول إلى أهدافها الفئوية. 1) إن صناعة الفتنة الطائفية ليست وليدة اليوم ولا علاقة لها بالثورة أو النظام الجديد، فكم من الأحداث تمت خلال عصر مبارك، ولم نسمع من السياسيين بمشاربهم المختلفة من يحمل مبارك المسئولية أو يدعو لإقالة رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت. 2) إن ما فعله الشاب المسيحي من رسم صليب فوق معهد ديني يتجاوز الفعل إلى النفسية التي يتربى عليها أبناء الوطن داخل المساجد والكنائس، كما إن الشعارات التي قيلت في تشييع الجنازة تشير إلى مشكلة خطيرة لا يجب غض الطرف عنها، ومثال ذلك شعار (قالوا علينا خمسة في المية واحنا اصحاب البلد ديه) فلا يجب بحال أن نظن أنه شعار فردي لا ينم عن عقيدة يتم تنشئة الأجيال عليها، وبالتالي فأحاديث المحبة وبيت العائلة والابتسامات والأحضان أمام الكاميرات لن تمحي هذه الأفكار. 3) المشهد الرهيب الذي لا يجب أن يمر وسيبقى في ذاكرة الجميع، وقد اصابنا جميعاً بدهشة وهو منظر شباب يحملون الأسلحة باحترافية ويقفون أعلى سطح الكاتدرائية، ليصوبوا طلقاتهم على الشرطة مما يعيد إلى الذهن تلك الإشاعات بأن الكنيسة تحتفظ بأسلحة داخل دور العبادة، الأمر الذي لايصدقه احد ولكن هذا الحدث يجعلنا نطالب بالشفافية في التعامل مع المساجد والكنائس وأن لا تكن دولة داخل الدولة، وأن تخضع أموالهما لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. 4) مازال هناك من يتراقصون فوق أشلاء الضحايا، ويريدون أن يحققوا مكاسب سياسية من كل حدث، فكلما سالت دماء كانت فرحتهم الغامرة ليعقدوا المؤتمرات الصحفية وينددوا ويطالبوا بمطالب بعيده عن الحدث وخارج السياق، فما علاقة مشكلة النائب العام بحادثة الخصوص ورفع الأسلحة فوق الكنائس، وهؤلاء لم يتعلموا من كل دروس الماضي وأغلب الظن أن البرمجة ثابتة ولن تتغير، كالجمل التي كانت ترددها الفنانة شويكار في إحدى مسرحيتها (الجو جميل، ...برافو، ...إزاي الصحة) دون أن تدري متى تقول كل منها، فكذلك هؤلاء يحفظون ثلاث كلمات مثلها (النائب العام، الدستور، الحكومة) فيا ليتهم يعيدوا مشاهدة المسرحية. 5) إن مصارحة الرأي العام بحقيقة الأحداث من الأمور الهامة، حتى لو كانت قاسية على النفس فذلك خير من أن نستيقظ على فتنة جديدة، وإذا لم يحدث هذا فلا تلوموا الشعب في تصرفاته المبنية على ما يراه بعينيه ويسمعه بأذنيه. إذاً الحكاية لا تكمن في أن (الجو جميل) أقصد في تغيير الحكومة بل تكمن في الموضوعية في الطرح، وأن نتعلم من الغرب الليبرالية واحترام الديمقراطية، وليست ليبرالية (الأندروير) وخلع الملابس والسب والشتم والقاء المولوتوف واستخدام أدوات التدليس والتضليل، وليعلم الجميع أن النظام الحالي يوطد قواعده كل يوم أكثر من الذي يسبقه ويسير بخطوات ثابتة، ومن لا يقرأ المشهد عليه أن يستعيد تجمعات يوم 6 إبريل وتفاعل الشعب معها ليعلم أن قطار الإصلاح بدأ ولن يتوقف. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]