عندنا في مصر باسمان .. باسم وباسم. باسم الأول مذيع لامع ، ومقدم برامج في فضائية مشهورة ، يتقاضي سنويا أكثر من خمسة عشر مليوناً من الجنيهات ، بالإضافة إلي نسبة من إعلانات برنامجه عالي المشاهدة. وهو ولد "شيك".. عيونه ملونة ، يتكلم الإنجليزية بطلاقة ، يبدو وكأنه أجنبياً ، كما أنه ظريف وخفيف الظل ، خلفه طاقم كبير من معدي البرامج والصحفيين ، وفريق عمل ضخم من الفنيين ، ودعم مالي واستثمارات هائلة ، ويحضر معه في الأستديو أولاد وبنات .. منتهي الشياكة والأناقة ، يصفقون ويصفرون طوال الوقت لأن "البرنامج" ممتع وباسم "كيوت" ولذيذ. باسم الثاني مجرد وزير في حكومة يقولون أنها فاشلة ، يعني موظف في الدولة. حظه العاثر أنه جاء وزيراً في الوقت الخطأ ، وللأسف هو الوزير المسئول عن التموين ، العيش والزيت والبنزين والمكرونة وأشياء أخري غير مهمة ، لا علاقة للوزير المسكين بالشياكة ولا الأناقة ، حتى أن البدلة التي يرتديها تبدو فضفاضة ، وبدون "كرافتة" ، لو أنه لبس بنطلون "جينز" و"تيشرت" لظهر في شكل أحسن ، خاصة وأنه طوال النهار يجري في الشارع من بلد لبلد ، ومن محافظة لأخري ، وحوله مجموعة من الفقراء الذين تعلو وجوهم ابتسامة بلهاء بسبب أنهم حصلوا أخيرا علي ثلاثة أرغفة من الخبز بدلاً من رغيفين كانوا يحصلون عليهما في الماضي. الإنطباعات السابقة عن باسم وباسم في أذهان بعض الناس لم تنشأ من فراغ ، بل هي نابعة من تصورات معينة عند هؤلاء تجعلهم يظنون أن الحياة مجرد هزل في هزل ، وأنه لامكان للعمل الجاد الدؤوب إلا لو كان مرتبطاً بشهوة تحصيل الأموال ، أو التنافس الدنيوي البحت الذي يهدف في النهاية للتفاخر والمنظرة المزيفة والكاذبة. أما النشاط في خدمة المجتمع الممزق ، وتعفير الأقدام بتراب القرى والنجوع في سبيل انتشالها من الأوحال ، فهذا عندهم شيء "مقرف" بل ويقابل بالسخرية والإستهزاء. بالنسبة لنا الأمر مختلف ، فباسم يوسف عندنا يحدث ثغرة هائلة في منظومة القيم التي من المفترض أنها تقدس العمل ، وتحترم المجتهد ، وتساعد المتفوق ، وتقدم النصيحة ، وتمارس النقد البناء دونما ابتذال وإسفاف. للأسف باسم يوسف ينتهك كل هذا باسم النقد الساخر، وليته يفعل ذلك في ظروف تسمح برفاهية الكوميديا والسخرية ، وإنما هو يقدم وجبته السامة الأسبوعية في مرحلة من أدق المراحل التي تمر بها البلاد ، والتي تتطلب تكاتفاً عاماً ، وتشتاق ليد واحدة تضيف لبنة جديدة في البناء الجديد. في المقابل فإن باسم عودة يقف علي ثغرة واسعة وخطيرة من الثغرات التي أحدثها النظام المجرم السابق ، الرجل بدأ يحقق إنجازات حقيقية بل ومذهلة في محاصرة ثغرة الأمن الغذائي التي تهدد حياة المصريين. قد لا يدرك المرفهون في استديوهات باسم يوسف معني أن تتوفر المواد التموينية في الجمعيات ، أو يحصل تحسن نوعي وكمي في رغيف العيش ، الذي يدرك هذا فقط هم الشعب الحقيقي في كل المحافظات. يجب أن يدرك الجميع الفرق بين من يحدث ثغرات في المجتمع ومن يحاصر الثغرات ويجتهد في حل المشكلات. باسم عودة يرسم البسمة كل صباح علي ثغر كل مواطن يستفيد من منظومة الخبز الجديدة ، وباسم يوسف يخرج علينا كل أسبوع بحركات "أراجوزية" يضحك منها "الجرابيع" كما وصفهم والذين يحضرون تسجيل الحلقة معه. باسم عودة يعرق ويعمل ، وباسم يوسف يسخر ويضحك. باسم عودة يبني وينفق من وقته وجهده ، وباسم يوسف يهدم ويقبض الملايين من أسياده أعداء الشعب. لن ينخدع الشعب بالشخصيات المزيفة الفارغة ، وسيلفظ كل من يحاول أن يسخر من أحلامه واماله. دعوه يسخر ودعونا نعمل "قل كل يعمل علي شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلاً". [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]