فيما اعتبر خطوة تستهدف تلطيف الأجواء المحتقنة والتهدئة مع الشارع المصري وقوى الإصلاح ، قضت المحاكمة التأديبية للمستشارين الإصلاحيين هشام البسطويسي ومحمود مكي ، بتوجيه عقوبة اللوم للأول وبراءة الثاني ، وذلك في الجلسة التي عقدت صباح اليوم الخميس في مبنى دار القضاء العالي وسط اجراءات أمن مشددة ، وعمليات تعدي أمني واسع النطاق على المتظاهرين المحتجين على إحالة القاضين إلى التأديبية فيما تعتبره عقابا لهما على مطالبتهما باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية وإدخال تشريعات تحمي أصوات الناخبين من عمليات تزوير دأبت الأجهزة الإدارية والأمنية المصرية على الضلوع فيها لصالح مرشحي الحكومة والجزب الوطني الحاكم في الوقت نفسه ثبتت محكمة النقض ، وهي أعلى درجة من درجات التقاضي في مصر ، وتعتبر أحكامها نهائية وباتة ، حكما سابقا أصدرته من قبل محكمة مصرية بالسجن خمس سنوات على المعارض المصري البارز ورئيس حزب الغد الدكتور أيمن نور . وكان نور أقوى المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي وفاز وفيها الرئيس مبارك بنسبة تصويت اعتبرها المراقبون ضعيفة ولاتعبر عن إرادة الشعب المصري. وقد أثار القرار التأديبي الخاص بالقاضيين الإصلاخيين ردود أفعال واسعة النطاق بين الأوساط السياسية من ناحية وبين القضاة أنفسهم من ناحية أخرى فقد رحبت القوى السياسية بالقرار واعتبرته انتصارا للقضاة وللقوى السياسية التى دعمت قضيتهم خلال الفترة الماضية فى حين اعتبره بعض القضاة محاولة حكومية للهروب من الحريق الذي أشعلوه في مصر من غير أن يتوقعوا الامتدادات الخطيرة له ، ووصفت القرار بأنه أفضل مخرج للحكومة من مأزق القضاة الذى وضعت نفسها فيه ولم تدرس جيدا عواقبه أو كيفية الخروج منه. فيما علقت مصادر قضائية على القرار بأنه مجحف خاصة فيما يتعلق بالمستشار البسطويسى وأكدت تلك المصادر بأنه حكم " سياسى" وراءه قيادات بالحزب الوطنى الحاكم هدفه توجيه رسالة للقضاة بأن الحكومة مازالت هى سيدة الموقف واستندت فى ذلك الى براءة أحدهما ولوم الأخر مؤكدة أن الحكومة أرادت انقاذ نفسها وأصدرت الحكم بهذه الكيفية حتى لاتظهر بالضعف أمام الرأى العام إذا صدر الحكم ببراءة الإثنين معا خاصة بعد الصراع الدائر بينها وبين القضاة من ناحية وبينها وبين القوى السياسية من ناحية أخرى والذى أظهرت فيه عدم رغبة فى احترام القضاء والتأكيد على استقلاليته. وفي الوقت الذي كانت تنعقد فيه جلسة التأديب للقاضيين محمود مكي وهشام البسطويسي أطلقت الشرطة رجال أمن بملابس مدنية لمطاردة المتظاهرين المحتجين على محاكمة القاضيين الإصلاحيين واعتدت عليهم بالضرب باستخدام الهراوات والعصي وقبطات الأيدي وقالت المصورة تارا تودراس-وايتهيل لوكالة الأنباء البريطانية إن "بلطجية" تساندهم قوات الأمن لاحقوا حوالي 800 متظاهر في أحد الشوارع وأمسكوا بعدد منهم لضربهم. وقالت "أمسكوا بالقريبين منهم لكن الباقين فروا. رأيت 20 شخصا على الاقل يضربون بقبضات الايدي والهراوات والعصي القصيرة." وأثناء دخول عدد من القضاة الاصلاحيين لدار القضاء العالي نثر نشطاء يتظاهرون على درج المبنى الذي نظمت أمامه مظاهرات كثيرة ورودا عليهم. في غضون ذلك نشر جهاز مباحث أمن الدولة كمائن لاختطاف معارضين خاصة في منطقة تقاطع شارع طلعت حرب مع 26 يوليو وقاموا باختطاف اعدادا كبيرة من المارة والمتظاهرين . وفي ذات الوقت شهدت منطقة التوفيقية مظاهرات واشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن التي اعتدت عليهم بعنف واعتقلت العشرات منهم وفي ميدان العباسبة حيث نظم الإخوان المسلمون مظاهرة احتجاجية تعرضت لاعتداءات بالعصي والهراوات والأيدي ، اعتقلت الشرطة القيادي الإخواني البارز د. عصام العريان والنائب السابق بالبرلمان د. محمد مرسي ومعهما أكثر من 200 متظاهر من اعضاء الجماعة ، فيما شهد وسط القاهرة مظاهرة صاخبة نظمها أنصار حزب الغد من على "بالكونات" المباني المطلة على ميدان طلعت حرب ، في الوقت الذي فرضت فيه قوات الأمن طوقا أمنيا مشددا حول مقر الحزب ومنعت الدحول أو الخروج منه . ونظم بالتزامن أعضاء من مجلس الشعب ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وحركة كفاية تظاهرة صامتة في شارع عبد الخالق ثروت ظلت لأقل من ساعة قبل أن يتدخل الأمن لتفريقها والتعدي على أطقم أعلامية غربية . وكانت قوات الأمن قد اغلقت منذ الساعات الاولى من صباح اليوم الخميس كل الشوارع والطرق المؤدية إلى مبنى دار القضاء العالي حيث تنظر محاكمة البسطويسي و مكي متزامنة مع محاكمة أيمن نور ، ومنعت قوات الأمن مرور المواطنين أو السيارات ونشرت العشرات من السيارات المدرعة والمئات من قوات مكافحة الشغب ، ما اصاب وسط القاهرة والمناطق القريبة منها بشلل شبه كامل .