واقع الحال أن العلاقات الدولية في العصر الحديث تحركها المصالح المشتركة وليس العقيدة الدينية أو الأيديولوجية الفكرية أو السياسية، اَية ذلك ما نراه من علاقات وتحالفات بين دول تعتنق معظم شعوبها ديانات متباينة(أمريكا /المسيحية إسرائيل /اليهودية)، (تركيا/الإسلام إسرائيل/اليهودية) كما شهد التاريخ الحديث حروبًا وقطيعة بين دول تدين معظم شعوبها بديانة واحدة (العراق/الإسلام الكويت/الإسلام) إبان حكم صدام حسن، (مصر/الإسلام إيران/الإسلام) طوال حكم مبارك. وقد ظل مصريون كثر طوال سنوات القطيعة يتساءلون: ما الذى يمنع مصر من إقامة علاقات مصالح مع إيران(؟!) خاصة أن جميع الدول العربية كانت وما زالت تتمتع بعلاقات كاملة معها بما فيها الدول التي تبدي ارتياحًا مكتومًا أو ظاهرًا على استمرار القطيعة بين مصر وايران، وبما فيها دولة الإمارات العربية التي تحتل إيران منها ثلاث جذر منذ حكم الشاه، وطوال تلك السنين لم نتلق من المسئولين المصريين إجابة مقنعة لذلك التساؤل الحائر، الأمر الذي عزز الشكوك القائلة إن القطيعة مع إيران هي بمثابة قربان كان يقدمه النظام السابق لأمريكا لينال رضاءها. ومع ظهور بوادر تحركات وإجراءات حقيقية على الأرض لكسر حالة الجمود التي غلفت العلاقات المصرية الإيرانية بدأ يتردد في فضاءات مصر كلامًا يعكس مخاوف البعض من المد الشيعي الذي يمكن أن يحدث مع تطور العلاقات بين البلدين وتدفق السائحين الإيرانيين على مصر(!!) لا شك عندي في أن بعض ممن يعبرون عن مخاوفهم ينطلقون من حسن نوايا وغيرة دينية/ مذهبية بيد أنني في ذات الوقت لدى شكوك قوية في أن بعض ممن يثيرون تلك المخاوف يتصرفون بدوافع سياسية "ميكافلية"، وأنهم ينتمون إلى لوبي الثورة المضادة التي تحاول بكل ما لديها من إمكانات حرمان مصر حاليًا من أي علاقات خارجية قد تدعم الاقتصاد الوطني؛ وذلك على أمل خنق السلطة الحاكمة سياسيًا واقتصاديًا وتأليب الفئات الاجتماعية صاحبة الاحتياجات الملحة عليها بما يؤدي لتعجيل إنهاء حكم الرئيس مرسي/الإخوان في أقرب وقت ممكن، كما لا يمكن غض الطرف عن موقف أمريكا وحليفتها إسرائيل الرافض لأي تقارب مصري إيراني ومن ثم فإنهما يحاولان بكل ما لديهما من قوة عرقلة أي تقدم باتجاه تحسين هذه العلاقات ولا يتورعون في سبيل ذلك في استخدام أحط الأساليب وأقذرها بما في ذلك إثارة الخلافات المذهبية. إنه لأمر مثير للدهشة والريبة أن بعض ممن يعبرون عن مخاوفهم من تنامي العلاقات المصرية الإيرانية الآن لم يبدوا أي انزعاج من تنامي العلاقات المصرية مع العدو الإسرائيلي إبان المحاولات الممنهجة التي بذلت لتطبيع تلك العلاقات عقب توقيع اتفاقية السلام بين البلدين، والتي شارك كثير من الراقصين السياسيين للترويج لها آنذاك. واقع الحال أن مصر عبر تاريخها الحديث قد تدفقت عليها أفواج من السائحين اليهود ولم تشهد مد يهودي فيها، وتدفقت عليها أفواج من السائحين المسيحيين ولم نشهد مد مسيحي فيها، وتدفقت عليها أفواج من السائحين البوذيين والملحدين ولم تشهد مصر أي مد بوذي أو إلحادي، ذلك أن عقيدة المصريين أكثر رسوخًا وعمقًا من أن تتغير وتتبدل مع كل رياح مذهبية تمر بهم. أسوء ما في قضية إثارة المخاوف والانزعاج والهلع من المد الشيعي في مصر لمجرد أن بضعة أو مئات آلاف من السائحين الإيرانيين سوف يزورون بعض المعالم السياحية في مصر أنه يصور الشعب المصري وكأنه صاحب عقيدة هشة لا تقاوم دعوات التغيير من أي عابر سبيل, وهذا عير صحيح، إن الأمر الجدير بالانتباه حقًا في مسألة العلاقات المصرية الإيرانية هو ضبطها على النحو الذى يعظم المصالح المصرية وجعل تكلفة تلك العلاقة إن وجدت عند حدها الأدنى. [email protected]