لا يكف الحزب الطائفي فى مصر عن إثارة الرأي العام بين الحين والأخر. هذا الحزب يحركه متطرفو أقباط المهجر ومن على شاكلتهم داخل مصر. الحزب الطائفي دأب على الاستقواء بالقوى الأجنبية التي تعمل لزعزعة الأمن والاستقرار، وتسعى لإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن من المسلمين والمسيحيين. هم يبسطون ألسنتهم بالسوء دوما تجاه الداخل، ويمدون أيديهم بالسؤال دوما لنيل "التمويل "والدعم المعنوي والسياسي من الخارج. أحدث الأعمال "الإثارية" التي نفذها الحزب الطائفي خلال الأيام القليلة الماضية هي الهجوم على الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء/ مجمع البحوث الإسلامية في مصر والتظاهر أمام دار القضاء العالي بدعم مكشوف ومعلن من "عشر منظمات ونشطاء من أقباط المهجر "مطالبين بالتحقيق مع العالم الجليل بزعم باطل هو أنه يزري بالأقلية القبطية في مصر، وقدموا بلاغًا بذلك للنائب العام، الذي قرر حسب الأنباء الصحفية إحالة الدكتور عمارة لنيابة أمن الدولة العليا! بدأت القصة عندما نشرت مجلة الأزهر (عدد ذي الحجة 1430ه ) ملحقًا لها هو عبارة عن دراسة كتبها الدكتور محمد عمارة ردا على كتاب بعنوان "مستعدون للمجاوبة" تأليف د. سمير مرقص (وهو اسم مستعار وقد تأكدت من ذلك بسؤال صديقنا سمير مرقص فنفى صلته بالكتاب جملة وتفصيلا، وأصدر بيانا أكد فيه ذلك بتاريخ 12/12/2009 ونشرته عدة صحف مصرية إضافة إلى موقع إسلام أون لاين) والكتاب دون بيانات لدار النشر، او رقم إيداع في دار الكتب المصرية، أو أي دار أخرى وفق ما هو معروف في عالم النشر. كانت السلطات المصرية المختصة قد ضبطت كتاب "مستعدون للمجاوبة" في إحدى قضايا التنصير خلال الصيف الماضي، وأحالته للنيابة، التي أحالته بدورها إلى "مجمع البحوث الإسلامية" لمعرفة الرأي العلمي فيه. وكلف المجمع الدكتور محمد عمارة وهو أبرز أعضائه بكتابة رد علمي على الكتاب. فكتب الدكتور الرد المطلوب موضحًا أن الكتاب المذكور يطعن في القرآن الكريم، ويكذبه فيما ورد فيه بشأن ألوهية المسيح عليه السلام، وقضية تحريف الإنجيل والتوراة، وفيما أثبته القرآن أيضا بشأن "صلب المسيح" عليه السلام. ويطعن الكتاب أيضًا في الرسول صلى الله عليه وسلم ويكذبه، ويقول إنه لم يأت بمعجزة، وأن جميع الأنبياء فيما عدا عيسى عليه السلام سقطوا في الخطيئة. ومضى الكتاب يكذب العلماء المسلمين فيما ذكروه بشأن "تحريف التوراة والإنجيل"، وخاصة الفخر الرازي صاحب التفسير الأشهر "مفاتيح الغيب"، والإمام البيضاوي في تفسيره المعروف باسمه. أكد الدكتور عمارة أكثر من مرة في رده على أنه لم يكن ليهتم بالرد على كتاب "مستعدون للمحاوبة" لو أنه كتاب يدعو فقط للمسيحية ويدافع عنها، بدون أن يتعرض للإسلام والقرآن والرسول وعلماء المسلمين بالطعن والتجريح والشتائم، ولكن الكتاب مليء بالطعن والتهجم على أصول الإسلام وعقائده، ولهذا وجب الرد. وكان ذلك بموجب تكليف رسمي من أعلى هيئة إسلامية في مصر وهي "مجمع البحوث الإسلامية/ هيئة كبار العلماء"، التي أوصت بإجماع الآراء بأن ينشر الرد في ملحق خاص بمجلة الأزهر؛ لتنوير الرأي العام المصري بحقيقة هذا الكتاب الذي توزعه جماعات تنصيرية مدعومة من قوى أجنبية، ولا ترجو الخير لمصر ولا للمصريين. فوجئ أنصار الحزب الطائفي بالرد العلمي للدكتور عمارة. وبدلا من مقارعة الحجة بالحجة، والدليل بدليل في مستواه أو أقوى منه، والرأي بالرأي الآخر المستند إلى المنطق والبرهان، بدلا من ذلك قرر أنصار الحزب الطائفي إثارة الشغب، والاستقواء بالخارج مجددًا وللمرة الألف من خلال متطرفي أقباط المهجر وأتباعهم في مصر. وبدلا من كتابة رد على رد الدكتور عمارة، ولعجزهم عن ذلك أصلا، توجهوا ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق مع العالم الجليل..! إذا كان ما أورده الدكتور عمارة في رده على كتاب "مستعدون للمحاوبة" مخالفا لحقائق الموضوع محل البحث؛ فلماذا لا ينهض الطرف المتضرر لتفنيد ما كتبه الدكتور عمارة وبيان عدم موضوعيته وابتعاده عن جادة الصواب؟.. ومتى كان استعداء القوى الأجنبية من الخارج والضغط على السلطات القضائية والسياسية المحلية هو السبيل للرد على الفكر والرأي والبحث العلمي؟. الملفت أن العلمانيين ومدعي التنوير لم يتحرك أحدهم للدفاع عن حرية الدكتور عمارة في التفكير والتعبير والإعلان عن رأيه، مع كفالة حقوق الآخرين في مناقشة الدكتور عمارة في أفكاره وآرائه بالحجة والبرهان. بل إن أحدا منهم لم ينطق ببنت شفة احتجاجًا على قرار سحب "الرد العلمي" وعدد مجلة الأزهر من الأسواق. أليس في هذا السحب، أو المصادرة إهانة للعلم وحرية الرأي، وإدانة لمنهجية مقارعة الحجة بالحجة. وما المطلوب حقا من عالم كبير مثل الدكتور عمارة عندما يعرض عليه كتاب يتهجم على عقائد المسلمين ويزدريها، ويطعن في دين أغلبية الشعب المصري، ويطلب منه "مجمع البحوث الإسلامية" أن يكتب ردًا علميًا على هكذا كتاب يثير الفتنة بين المصريين؟. هل المطلوب منه أو من أي عالم آخر غيره يمكن أن يكلف بأداء هذه المهمة العلمية والوطنية في آن واحد حيث إننا بصدد جريمة تمس أمن الدولة وهي "التنصير" وبث أفكار مغرضة تعكر الأمن الاجتماعي هل المطلوب منه أن يوافق على تلك الافتراءات والتهجمات على أصول الإسلام وعقائده؟ أم عليه أن يصمت وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم؟. وهل مباح إلى هذا الحد التهجم على عقيدة الأغلبية وعلى دين الدولة الرسمي الذي نص عليه الدستور؟. إن لعلماء الإسلام ثلاث مهمات كبرى لا غنى عن المجتمع ولا الدولة عنها، وهي: أولا تثبيت العقيدة في نفوس أبناء الأمة ونقلها من جيل إلى جيل صحيحة نقية. وثانيًا رد الشبهات ودحض المفتريات التي تتعرض لها هذه العقيدة، من أي جهة جاءت الافتراءات. وثالثا الاجتهاد والتجديد في ضوء المتغيرات والتحديات التي تواجه المجتمع وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والعادات. وفي مسألتنا، ليس بوسع الدكتور محمد عمارة، ولا غيره من علماء الأمة ودعك من علماء السلاطين والأمراء أن يتخلى عن أداء مهمته، وإلا كان مقصرًا في حق نفسه أولاً، وفي حق الأمة التي هي أحد رموزها العلمية ثانيا، وفي حق الهيئة العلمية الكبرى التي ينتمي إليها ثالثا: ليس بوسعه الصمت على كتاب يطعن في الإسلام؛ وإلا سيكون مقصرًا أيضًا من وجهة نظر دستور الدولة المصرية الذي ينص في مادته الثانية على "أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". أنصار الحزب الطائفي مدعومون بقوى أجنبية وببعض كبار رجال الأعمال المصريين يحاولون إسكات صوت الدكتور عمارة وغيره من كبار علماء الأمة ومفكريها مثل طارق البشري ومحمد سليم العوا وفهمي هويدي... إلخ ويسعون لمصادرة أفكارهم، وإرهابهم والسعي لمحاكمتهم على أفكارهم وآرائهم العلمية. والأشد مأساوية من هذه المحاولات البائسة، هو موقف مدعي التنوير والعقلانية، والمنادين بمقارعة الحجة بالحجة، والرأي بالرأي الآخر؛ لقد أصاب الخرس هؤلاء الذين لا يعلو صوتهم إلا للدفاع عن الكتابات التي تتهجم على الإسلام، وتسخر من عقائد الشعب المصري، بحجة أن الهجوم على العقائد وحتى على الذات الإلهية "إبداع" و"أدب" و"حرية فكر ورأي وتعبير". المشكلة أن مدعي التنوير والعقلانية في بلادنا تصيبهم البلادة العقلية وتتوقف ملكاتهم التنويرية تمامًا عن العمل عندما يتعلق الأمر فقط بحرية الإسلاميين في التعبير عن آرائهم، والدفاع عن عقائدهم. فقبل عدة سنوات كان هؤلاء ينعون الإسلاميين أنهم لا يردون على الفكر بالفكر، وأنهم يستخدمون العصا في مقابل الكلمة. واليوم أصاب هؤلاء المتنورين الخرس ولم ينطق واحد منهم بكلمة ينتصر بها لهذه المبادئ نفسها، ويقول إن من حق علماء ومفكري الإسلام، بل من واجبهم القيام بالدفاع عن عقيدة الأمة، وأن يردوا عنها الشبهات ويدحضوا الافتراءات بالحجة والبرهان، وأن من كان عنده حجة أقوى فليأتنا بها. بهذا فقط يمكن أن تحافظ الأمة على تماسكها الداخلي وأن تنهض الأمة وتتقدم. أما الاستقواء بالأجنبي والعمل وفق أجندته؛، فمآله الخسران.