زادت تعليقات المعارضين للرئيس محمد مرسي على مفرداته المرتجلة، والتي تخرج بين الحين والآخر في أحاديثه، خاصة تشبيهاته لمن يتربصون به وبجماعته، وبمشروعه، وأيضًا من يتربصون بالثورة، من حيث تشبيههم بالقرداتي إذا مات القرد، أو من يتآمر بأنه في حارة مزنوقة، أو بالأصابع التي تلعب في مصر، وإن كنت لا أجد مبررًا لكل هذا الهجوم على مفردات الرئيس وخطابه المرتجل، فهي عبارات وأمثال تنبع من الشعب المصري، والإنسان بطبيعته ابن بيئته حتى لو كان رئيسًا لأمريكا، وليس رئيسًا لمصر فقط. فالكلمات التي اعتبروها مآخذ على مرسي، ضخموها بشكل خارج عن معناها وإطارها في الكلام، فكلمة (هناك ثلاثة أصابع أو أربعة تلعب داخل مصر)، كل الصحف والمقالات والكتاب، دائمًا ما تكتب: أصابع الاتهام تشير إلى كذا، والحكمة القائلة: حرية أصبعك تنتهي عند أعين الآخرين. لكنها عين الذبابة التي لا ترى إلا الخطأ، ولا تقع إلا عليه، ولا تهوى إلا تحريف كل كلمة عن موضعها، وهكذا معظم مفرداته، التي تساق من باب التهكم والسخرية عليه، أو بيان ركاكة خطابه عند الارتجال، وهي في النهاية وجهات نظر تختلف من شخص لآخر، إن قيمناها علميًا بعيدًا عن المتربصين الذين حتى لم يسلم الرجل منهم عند استشهاده بالقرآن الكريم، فعندما مثلًا استشهد الرئيس بقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، بنصب لفظ الجلالة، ورفع العلماء، وقد قرأها الرئيس (اللهُ) ونصب (العلماءَ)، حتى عند هذه العبارة، خرج من يتعالم على الرجل ويقول: إنه يحرف الآيات، ولا توجد قراءة بهذا الشكل، رغم أنه أزهري، وكلنا درسنا في الأزهر في الصف الثالث الثانوي الأزهري (تفسير النسفي) وفيه هذه القراءة، وأنها مروية عن عمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، وأبي حنيفة. أي أن مرسي مهما قال صوابًا أو خطأ، فهناك من يتربص، وهناك من سيمدح أيًا ما قاله، فهي وجهات نظر كما ذكرت، رغم أن كل منكر لكلام مرسي، سيجد أن زعيمه الذي يؤمن به، له مثل هذه العبارات، أو أكثر منها، أو قريبًا منها. فالعجيب أنك تجد ناصريين ويساريين يتندرون على مرسي في عباراته، ونسي هؤلاء إبداعات زعيمهم الخالد جمال عبد الناصر، والتي هي من قعر القاعدة المصرية، وفاق بها محمد مرسي، فمثلًا قال عبد الناصر في خطابه هازئًا بإيدن رئيس وزراء بريطانيا، فقال: أنا مش (خِرِع) زي إيدن، وراح المترجمون السياسيون يبحثون عن معنى كلمة (خرع) فلم يجدوا لها ترجمة، وحاول بعض الصحفيين المصريين شرحها فلم يفلحوا، يقول الأستاذ أنيس منصور: فحاصرنا كل مندوبي وكالات الأنباء والإذاعة يسألون عن معنى هذه الكلمة وعن المرادف لها باللغة الإنجليزية، وفي القاموس: خرع بفتح الخاء معناها الضعيف اللين.. وشجرة الخروع سميت كذلك لأنها لينة الفروع والثمار. والرجل الخريع أي الخليع.. أما هذا الرجل المريض(الخرع) فقد مات بعد الرئيس عبد الناصر(52 سنة) بسبع سنوات عن ثمانين عامًا! (الأهرام تاريخ: 13/4/2003م). ثم وقف عبد الناصر أيضًا ذات مرة يهزأ بعلماء الأزهر، فجاء بعبارات أسوأ مما يأخذه الناصريون على محمد مرسي، فقال: الأزهري من دول تدي له بطة يديك فتوى!!! ولما شبه عبد الناصر من يعطلون مسيرته فقال: الكلاب تنبح والقافلة تسير. ولم يخل السادات من ذلك، فعند حديثه عن الفتنة الطائفية، قال بفصاحة رائعة أيضًا: (هي المشكلة إيه، إن غسيل في بلكونة مواطن، نقط ميه على غسيل في بلكونة مواطن تحت منه، ويبدو إن مية الغسيل كانت مش ولا بد يعني). وتجد ليبراليين أيضًا ينسون للدكتور محمد البرادعي: (الهولوكست) و(حقوق بوذا) وغيرها. ودخل على الخط أرامل مبارك، وأتباع شفيق، ونسوا إبداعات كل منهما، فمبارك الذي كان رئيسًا لمصر، نسي أتباعه: عبارة (البتاع) التي كررها أكثر من مرة في خطاب، وقد شرد ذهنه، وهو يتحدث، وتاه ما يريد، فقال: ما هو البتاع ده، لازم نعمله كويس عشان ميعملناش مشكلة في البتاع. وعندما قال بشجاعة يحسد عليها وقد ذهب يفتتح مصنعًا، فسأل أحد الواقفين: أنت شغال إيه؟ قال له: مهندس. فقال مبارك: يعني خريج هندسة؟!! وسأل امرأة: عندك كم عيل؟ قالت: خمسة يا ريس، قال: وعلى كده متجوزة؟!! وهذا ما جعل التلفزيون المصري لا ينقل أي حوارات للرئيس مع العمال في افتتاح أي مشروع. ونسي أتباع شفيق، إلهاماته وإبداعاته، والتي جعلت الشعب المصري والعالم يشعر والحمد لله لأول مرة، بأن هناك مرشحين للرئاسة يشك الناس أنهم تعاطوا شيئًا يفقد الوعي قبل حديثهم للإعلام. وأذكر أني كنت مشاركًا في برنامج مع الدكتور رفعت السعيد - رئيس حزب التجمع السابق-، وإذ به ينكر على الرئيس مرسي أنه لا يليق برئيس يتكلم في خطابه بذكر سائقي التوك توك، فقلت له: يا دكتور يا سبحان الله، تصدعون الناس ليل نهار بالكلام عن الطبقة الكادحة، وطبقة (البروليتاريا)، وعندما يذكرها مرسي تتندرون به، وتسخرون من خطابه، ولو أهملها لصدعتم رؤوسنا بأنه أهمل (البروليتاريا) حرافيش المجتمع. ونسي هؤلاء الذين يعتبون، أن هذه المفردات التي تأخذونها على محمد مرسي، رغم أني لا أرى في كثير منها أي مشكلة، فهي إنتاج الواقع والبيئة التي نحياها، وأنها مقارنة بإعلامنا وبمن يتحدثون باسم الثورة، ويحتكرون الحديث عنها لهم فقط تعد أمرًا لا ينكر، قارنوها مثلًا: ببعض عبارات الإعلامي باسم يوسف، وعباراته التي تدخل كل البيوت، وعندما قال: نحن شعب كلوتات!! وقارنوها بناشطين وناشطات شوهوا الثورة ببذاءة عباراتهم، أو بخطيب التحرير مؤخرًا الشيخ (ميزو)، أعتقد أن المقارنة هنا توضح أنها مسألة تربص بالرجل ليس إلا، فمهما قال، فكلامه لا بد أن يبتسر، وأن يبتر، وأن يشوه، ويفسر تفسيرات لا أخلاقية من البعض، لا تمت بصلة أبدًا إلى المقصود من الكلام. [email protected]