أصدر مركز "راند" ( وهو مؤسسة بحثيّة تأسست عام 1948، و لها نفوذ كبير و تأثير على سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية، و لها علاقات و روابط مع وزارة الدفاع الأمريكية، و تشرف على ثلاثة مراكز أبحاث تمولها وزارة الدفاع) أصدر دراسة بحثية شاملة عن مستقبل الجيش الأمريكي، و التحدّيات التي سيواجهها في الحقبة الممتدّة حتى عام 2025، و التي تدعوها الدراسة ب"حقبة قوات المستقبل". تبدأ الدراسة بالقول إنّ مسألة التنبؤ بالمستقبل و توقع السيناريوهات المستقبلية هو أمر صعب، و غالباً ما يكون مصحوباً بحالة من عدم اليقين. لكن -و على الرغم من ذلك- فسنطرح العديد من السيناريوهات و التحديات المستقبلية للعمل على إنشاء قوات عسكرية تكون قادرة على مجاراة و مجابهة تحديات الإطار الزمني الممتد حتى عام 2025 خاصّة أنّ هجمات 11 أيلول 2001، و حرب العراق قد قدّمت عدداً من التحديات التي لم تطرحها حقبة الحرب الباردة، و لم يواجهها الجيش الامريكي. بعد ذلك تنتقل الدراسة إلى شرح الآلية "الرياضية" التي استخدمتها من أجل الوصول إلى سيناريوهات مستقبلية, و اعتمدت في ذلك على خمسة متغيرات متطورة هي: "الجغرافيا السياسية, الاقتصاد, الديمغرافيا, التكنولوجيا, و البيئة". وقامت بتوزيعها في جدول ثمّ قامت بدراسة علاقة كل متغير بمتغيّر آخر و التأثيرات الناجمة عنه على مصالح الولايات المتّحدة القوميّة. فكان لكل متغير (3) حالات هي: "حالة جيدة بالنسبة للمصالح الأمريكية, حالة متوسطة (أي عادية), و حالة سيئة". و باختصار, فقد توصلت الدراسة عبر هذه التحليلات إلى سيناريوهات مستقبلية و هي: - أفضل الحالات: "الأحادية القطبية الأمريكية" و "السلام الديموقراطي". - حالات وسطية-جيدة: "منافس رئيسي" و "تعدد أقطاب تنافسي". - أسوأ الحالات: "الفوضى". و قد قامت الدراسة بعد ذلك بتخصيص نوع خاص من "القوات المسلحة" المطلوبة لكل سيناريو من السيناريوهات؛ إذ يجب على القوات المسلحة أن تتلاءم مع المتغيرات في كل حالة من الحالات و من هذه المتغيرات: 1- المطالب و الإمكانيات المتوفرة للجيش في كل سيناريو من السيناريوهات. 2- القدرات العسكرية المطلوبة، و القدرة على تحقيق المهمات الموكلة في كل سيناريو من السيناريوهات. 3- حجم القوات العسكرية و خصائصها المطلوبة في كل سيناريو من السيناريوهات. 4- تحديد العوامل المشتركة للجيش في جميع السيناريوهات و تعريفها. وصف البدائل المستقبلية تحت هذا العنوان تشرح الدراسة البدائل الستة التي توصلت إليها على هذا الشكل: أولاً: الأحادية القطبية الأمريكية: و هي أفضل حالة للولايات المتحدة، و تبقى فيها القوة الوحيدة المسيطرة على العالم عسكرياً, اقتصادياً, سياسياً, وثقافياً. و تكون فيها الدول الأخرى "الصين, روسيا, الاتحاد الأوروبي, الهند" غير قادرة على تحدّي قيادة الولايات المتّحدة العالمية أو أنّها لا تريد ذلك, و في هذا السيناريو فإنّ المخاطر الأمنيّة على الولايات المتّحدة تتأتى من الأنظمة و القوى الإقليمية الخطرة الشريرة مثل "أندونيسيا و إيران"، كما قد يأتي الخطر من النزاعات و الصراعات العرقية، و من الكوارث الإنسانية في أفقر البلدان في العالم النامية. ثانياً: السلام الديموقراطي و هو رؤية مثالية كما يبدو للمستقبل. و فيه تكون الديموقراطية الليبرالية و الأسواق المفتوحة قد انتشرت إلى درجة أنّها تصبح مؤسّسات جذرية في كل القوى الدولية العظمى "أوروبا, الصين, اليابان, روسيا, البرازيل" و في البلدان المتوسطة القوى أيضاً. و هكذا تكون هذه المبادئ قد انتشرت في معظم الدول، باستثناء بعض الدول الأكثر فقراً في العالم, و من هذا المنطلق فمن الصعب تخيّل إمكانية شن حروب كبيرة في هكذا نظام عالمي, خاصّة أنّ الدول الإقليمية الخطرة ستكون الديموقراطية قد انتشرت فيها، و عليه فإنّ أسلحة الدمار الشمال لن تكون مشكلة أمنيّة رئيسية للقادة الأمريكيين في السلام الديموقراطي وفق نظرة العام 2025. ثالثاً: هناك حالتان: 1- صعود منافس رئيسي: في هذا السيناريو, سيكون المنافس الصاعد ذو قدرات نووية إستراتيجية، و قادر على تخصيص أصول ضخمة للجانب العسكري. و نقصد تحديداً في هذا الباب التحالف الصيني-الروسي الذي قد يتشكل كلياً في حدود عام 2015-2018 بهدف إضعاف سيطرة و موقع الولايات المتّحدة العالمي، و كذلك حلفائها الرئيسيين. 2- تعددية قطبية تنافسية: و في هذا السيناريو يكون هناك عدّة منافسين للولايات المتّحدة و بنفس القدرات, أو اثنين على الأقل حيث إمكانية صعود قوتين قادرتين على تحدي الولاياتالمتحدة. و كل من هذه الدول الثلاث سيسعى إلى بناء شبكة من الحلفاء و الأصدقاء الداعمين لها على حساب القوتين الآخريين. إذ تحاول كل قوة من القوى الثلاث تشكيل شبكة تحالفاتها الخاصّة بها بعيداً عن القوّة الأخرى، و سنشهد سباقاً في إنشاء الأنظمة و التحالفات الدفاعية مع مزيج من إستراتيجية العصا و الجزرة لإقناع الآخرين إمّا بالدخول إلى حلف معيّن أو الانتقال من حلف إلى آخر. و ستكون هذه القوى على الأغلب هي: أمريكا , روسيا و الصين. رابعاً: شبكة انتقالية: و هذا السيناريو يفترض صعود المنظمات غير الحكومية، و المنظات الإجرامية و غيرها من الحركات القادرة على التحرّك السريع, كلاعب أساس في السياسة الدولية في عام 2025؛ إذ تكون تحرّكات الحكومات و الأنظمة بطيئة، و تعاني من البيروقراطية و الفساد، مقارنة مع تحركات تلك المنظمات. و يُعدّ هذا السيناريو الافتراضي أنّ حركات السلام و العدالة الاجتماعية أيضاً ستشكّل تهديداً كبيراً على الولايات المتّحدة بدْءاً من العام 2020-2025 على أساس أنّها تعتقد أنّ أمريكا تقف في وجه محاولاتها إعادة رسم النظام العالمي وفق رؤيتها الخاصة . أخيراً: سيناريو الفوضى العارمة: و هو أسوأ سيناريو يمكن افتراضه على الإطلاق. و في هذا السيناريو تكون الدولة ضعيفة جداً، و لها منافسون عديدون. و تحصل الفوضى العارمة بسبب عوامل عديدة مثل: الفائض السكّاني, التغير البيئي و الصراع الطائفي نتيجة انهيار الدول خاصّة في قطاع كبير من العالم النامي, و الفراغ الحاصل يتم ملؤه حينها بأمراء الحرب الذين يتحوّلون إلى إرهابيين و مهربي مخدرات و أسلحة دمار شامل لتدعيم سلطتهم, ممّا يؤدي إلى موجات هجرة واسعة من هذه البلدان؛ نتيجة عدم الاستقرار و الفوضى, و سيكون من الصعب على الولايات المتّحدة و جيشها مواجهة تلك التحديات في ظل تلك الظروف المعقدة . المصدر : الاسلام اليوم