الخارجية المصرية "زعلانة" من "البيت الأبيض" ، بل ومستغربة ومندهشة ومصدومة ، لأن الأخير تجاوز حدوده وأصدر بيانا اعتبرته الخارجية المصرية "ماسا بأحكام القضاء" ! لم ينس بيان أبو الغيط أن يتحدث بتبتل عن "استقلالية" القضاء المصري وشفافيته ونزاهته! ليصدق على المشهد المثل المصري القائل :"أسمع كلامك أصدقك وأشوف عاميلك أستغرب" ! طبعا وبعيدا عن هذا الكلام ، فإن القاضي في مصر يجتهد قدر الإمكان أن يكون مستقلا ، وذلك إحساسا منه بثقل المهمة ومسئوليتها أمام الله وضميره وأمام الرأي العام ، وليس من أجل أن النظام "عايز كده" .. فالنظام يكره "استقلالية" القضاء كراهية العمى ،وقد جسد المستشار طارق البشري هذه الحالة بقوله " القاضي في مصر يقبض على استقلاليته كالقابض على الجمر" . غير أن كلام الخارجية المصرية ، كان أقرب ما يكون إلى "النكتة" ، إذ جاء متزامنا مع مطاردة السلطة لاثنين من القضاة بسبب مطالبتهما ب"استقلالية" القضاء ! ودماء المستشار محمود حمزة لم تجف بعد من على أسفلت شارع عبد الخالق ثروت ، جراء ضربه ب"الجزمة" من قبل ضباط وجنود النظام ، الذي يتحدث بخشوع عن "استقلالية القضاء" ! مكتب النائب العام مكتظ بعشرات البلاغات ضد ضباط النظام الذين تعدوا بالضرب والإهانة للقضاة الذين تصدوا للبلطجية ممن حاولوا تزوير صناديق الانتخابات تحت أسنة سلاح الشرطة ، ومع ذلك كفى النظام عليها "ماجورا ".. فلا حس ولا خبر ! أبو الغيط أطلق بيانه الناري ... ناسيا أن كاميرات الفضائيات ، والسفارات الأجنبية بالقاهرة نقلت بالصوت والصورة والكلمة تقاريرها إلى كل عواصم العالم ، التي وصفت تفاصيل "ثورة " الشارع المصري الذي غضب بسبب سلسلة الإهانات التي ما انفكت توجهها السلطة للقضاء المصري ، والتي بلغت مبلغ اعتبارهم "تنظيما سريا" تابعا لمكتب الإرشاد للإخوان المسلمين بالمنيل !. عندما انتقد الأمريكيون تأييد محكمة النقض الحكم بحبس أيمن نور 5 سنوات ، فإنهم لم يسيئوا وحدهم إلى النظام القضائي المصري ، فمن قبل تحدث الإسرائيليون بأسوأ من ذلك عندما وصفوا القضاء المصري بأنه مؤسسة إدراية ملحقة بالسلطة التنفيذية ، وذلك في إطار الضغط على السلطة للإفراج عن عزام عزام ، وللأسف الشديد أقرهم النظام على هذه الإساءة وشارك فيها ، عندما قرر الإفراج عن الجاسوس بحجة مقايضته بمصريين معتقلين في تل أبيب . النظام المصري هو الذي أساء لكل مؤسسات الدولة ومن بينها سمعة القضاء المصري بالخارج ، عندما تعمد إهدار أحكامه والتحايل عليها ، واتباع كل وسيلة مشروعة وغير مشروعة بما فيها حتى البلطجة لتعطيل أحكامه والاستخفاف بها وكأنها لا قيمة لها ، مما حمل الناس على عدم الثقة في قدرة العدالة المصرية على رد مظالمها وحقوقها ، خاصة إذا كان أحد أطراف الخصومة هو الدولة أو أحد المتنفذين فيها . صحيفة الشعب وحدها حصلت على 13 حكما قضائيا بعودتها ، ولم تفلح جهود حزب العمل في تنفيذ أي منها ، بسبب استهبال النظام ولجوئه إلى حيل تشبه حيل الزوج الذي لا مروءة له ولا أخلاق ، ويتبع كل سبل الضلال والتضليل هروبا من قضايا النفقة ، إذ كانت تستشكل أمام دوائر قضائية غير مختصة لإطالة أمد التقاضي ، في الوقت الذي كانت تنشر فيه قوات الشرطة حول مبنى الجريدة والحزب للحيلولة دون تنفيذ الحكم بالبلطجة وبقوة السلاح ! من الذي أساء إلى سمعة القضاء المصري ؟! ومن الذي يتعمد المساس باستقلاله وشفافيته : الأمريكيون أم النظام الذي لايزال يناور ويسوف ، ويطلق خدمه من مخبري المباحث في الصحف القومية ليشتموا القضاة ويتطاولون عليهم ويصفونهم بأنهم أقرب ما يكونون إلى "عمال كفر الدور"! العالم أجمع يتفهم انتفاضة القضاة المصريين المباركة .. إنها ثورة تطلب الاستقلال الحقيقي الذي يحفظ حيدة القاضي أمام المتقاضين ، خاصة إذا كان أحد أطرافها هي الدولة بكل أجهزتها العاتية والباطشة والجبارة ! ما قاله الأمريكيون كان نتيجة طبيعية لسلوك النظام غير المسئول ضد قضاة مصر الشرفاء ، الباحثين عن الاستقلال والعدالة المحضة بعيدا عن الهوى وإغراءات وبطش النظام . القضاة المصريون الآن يناضلون نضالا حقيقيا من أجل استعادة هيبتهم التي أهدرها النظام ، واستعادة سمعتهم النقية الطاهرة التي ما انفكت السلطة تتعمد التعريض بها والنيل منها لمصالحها الخاصة وليس لمصالح الشعب المصري . ليس ل "أبو الغيط " ولا للنظام الحق في التحدث باسم القضاة المصريين .. بعد ما ارتكبه الأخير في حقهم من حماقات وإهانات وتطاول .. نادي القضاة وحده هو الذي له الحق في التحدث باسم جموع القضاة والدفاع عنهم .. فلا يتحدث باسم القضاة من أهانهم ويستنكف حتى الاجتماع بهم وسماع شكواهم ومطالبهم .. إنها نكتة والله أن يتحدث النظام عن "استقلال" القضاء وهو أول من يعاديه جهرا لا سرا . [email protected]