ذات يوم من العام الدراسي 96/ 97 ذهبت وزملائي من أعضاء رابطة طلاب العمل الإسلامي – الجناح الطلابي لحزب العمل آنذاك - كعادتنا باكرًا للجامعة حيث اعتدنا أن نجتمع لنبحث ماذا يمكن أن نفعل هذا اليوم فيما يخص فاعلياتنا السياسية، وما أن وصلنا كلية دار العلوم – التي كان ينتمي لها أغلبنا - حتى فاجأنا بعض الطلاب بالحديث عن وجود بيان مطبوع موزع على الحمامات، وعلى "بنجات" المدرجات يتهمنا نحن أعضاء الرابطة بالكفر، وأننا مجموعة علمانية مدفوعة من الأجهزة الأمنية لا تستهدف إلا ضرب التيار الإسلامي – الإخوان المسلمون – ومن ثم فإن على الطلاب ألا ينضموا لهذه المجموعة بل ويجب محاربتهم والوقوف ضد ما يروجونه من أفكار علمانية. وما أن سمعنا ما رواه زملاؤنا حتى توجهنا على الفور للحمامات والمدرجات فتبين لنا صدق الرواية وهو ما أصابنا بالكثير من الحنق والضيق خاصة أننا نعد أنفسنا كجزء من الحركة الإسلامية بغض النظر عن الخلاف مع طلاب الإخوان، وعليه فلم يكن بمخليتنا مطلقًا أن يحدث مثل هذا الأمر. كان أسهل الأمور أن نستسلم لحالة الضيق ونستجيب للرغبة في أن يكون لنا رد فعل قاسي على مثل هذا البيان، لكن الله - عز وجل - شملنا برحمته وهداه بقدرته فاحتكمنا لعقولنا وتساءلنا.. من هي يا ترى تلك المجموعة الطلابية التي حضرت في ساعة مبكرة للغاية، وقبل مواعيد حضور الطلاب بل وقبل حضور عمال الجامعة أيضًا ليتسنى لها القيام بتوزيع مثل هذا البيان بهذه الطريقة التي يستلزم تنفيذها وقتًا كبيرًا؟.. وكان ردنا على أنفسنا أن قيام مجموعة من طلاب الإخوان بذلك أمر مستبعد، لأنه يصعب عليهم دخول الجامعة في هذا التوقيت، كما أن ما شمله البيان من اتهامات لأسماء بعينها بالعلمانية هو بالطبع ليس سلوكًا إخوانيًا معتادًا، فالمعلوم أن الجماعة تنأى بنفسها عن الدخول في مثل هذه المهاترات فضلًا عن أنه ليس معلومًا عنها تكفير المخالفين لها ومن ثم فقد استشعرنا أن صانعي البيان جهة تستهدف إثارتنا وتهيجننا وتوسيع فجوة الخلاف بيننا وبين طلاب الإخوان. وبالفعل تأكد لنا ما اعتقدناه إذ إننا ومع صبيحة اليوم التالي فؤجئنا جميعا ببيان جديد يملأ الحمامات والمدرجات أيضًا بعنوان "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين" مزيل بتوقيع رابطة طلاب العمل الإسلامي حتى يبدو الأمر وكأن البيان الجديد ردًا على البيان القديم. بالطبع كان إصدار هذا البيان تأكيدًا إضافيًا لما توصلنا إليه فقد كان طلاب الإخوان على يقين ونحن معهم أنهم لم يكونوا أصحاب البيان الأول، وكنا نحن على يقين، وهم معنا في أن البيان الثاني ليس صادرًا عنا ومن ثم فقد تبين لنا سويًا أن البيان صادر عن جهاز أمن الدولة الذي أراد أن يزيد الفرقة بيننا، ويحدث مزيدًا من الشقاق بين الحركتين الطلابيتين الإسلاميتين خاصة أننا كنا على مقربة زمنية من الانتخابات الطلابية، وهو ما يفترض وفق ظن الأمن أنه سيكون له آثاره وانعكاساته السلبية على نتائج الانتخابات التي كان يحرص أمن الدولة وإدارة الجامعة آنذاك على أن يفوز بها الطلاب المحسوبون على الحزب الوطني الحاكم، لذا فقد سارعنا وفي اليوم الثالث بإصدار بيان موقع منا ومن طلاب الإخوان بأن ما صدر من بيانات في اليومين السابقين ليس صادرًا عنا، وأن هناك جهة ثالثة هي من تفعل ذلك وأنه لم تنطل علينا هذه الألاعيب فمهما كان بيننا من خلاف فنحن أخوة وخلافنا اجتهادات. لقد كانت فلسفة الأمن هي السعي إلى أن يبعدنا عن مهمتنا ويشغلنا في صراع ليس له أساس لتكون النتيجة المنتظرة أن ننشغل بهذا الصراع الوهمي ونترك ما هو أهم مستغلًا في ذلك بعض الخلافات الفرعية فيما بيننا، والتي يخطئ بعضنا وكعادة الإسلاميين بكل أسف في النظر إليها عبر المجهرات فتكبر أحجامها وتأخذ حيزًا أكبر مما يجب لنفأجئ بأن ما فاتنا وخسرناه أكبر بكثير مما توقفنا عنده. والشاهد من سرد تلك الرواية التي تعود للتسعينات هو محاولة للتذكير بما كان يراد للحركة الإسلامية من الفرقة والتشتيت فهذا المخطط ما زال يتكرر حتى الحظة الآنية وإن اختلفت جهات التخطيط التي تحاول أن تفسد ما بين الإسلاميين من علاقات وروابط ومحاولات للتقارب إذ يعلم الجميع أن في هذا التقارب كل الخطر فهل يسمح الإسلاميون أن تتسع الفجوة بينهم؟ وأن يكون خلافهم الفرعي أداة للقضاء عليهم؟.. نتمنى أن يعي الجميع الدرس ولا حول ولا قوة إلا بالله.