تعجبت لهذه الحشود التى تملأ الشوارع جريا بالأعلام .. أو صياحا بالحناجر : مصر .. مصر !! ولم أستطع أن أقاوم شعورا بالدهشة أصابنى لهذه الأقلام التى حولت صفحات الجرائد إلى عبوات ناسفة وقنابل مولوتوف .. موقوتة بزمن المبارة بين فريقي مصر والجزائر ! وتعجبت كذلك لهؤلاء المسئولين الذين اكتشفوا فجأة أنهم حريصون على أرواح ومصالح المصريين العاملين فى الجزائر! وأصابتنى الدهشة أكثر لهؤلاء اللاعبين من فريقنا الوطنى الذين يجوبون الملعب متشحين بعلم مصر .. ورافعين أصابعهم بعلامة النصر مؤكدين حرصهم على إظهار وطنيتهم أمام الملايين من جماهير اللعبة ! ولم استطع إلا الاستسلام لمثل تلك المشاعر وأنا أشاهد هؤلاء الفنانين والمطربين من المشاهير وهم يقودون الجماهير فى المدرجات تشجيعا لفريق الكرة ! أما دهشتى الكبرى فقد كانت من هؤلاء الشبان وهم يتزاحمون أمام شبابيك بيع التذاكر قبل موعد المباراة بأيام . قد جاء بعضهم من أقاصى الصعيد وأقاحى النجوع ليثبت حضوره مؤكدا مشاركته بالمشاهدة ! لقد فعل جميعا ما فعلوه تأكيدا لانتمائهم الوطنى .. وإظهارا لحبهم لوطنهم .. ولكن هل هم فعلا ينتمون انتماء حقيقيا لهذا الوطن وهل يحبون بلدهم حقيقة كما حاولوا جميعا أن يؤكدوا أو يعلنوا ؟ أشك فى ذلك !! لماذا كانت مباريات الكرة . والمنافسات التى تجرى على مستطيلها الأخضر هى المناسبة ربما الوحيدة التى نعلن فيها حبنا للوطن . ونعبر فيها عن انتمائنا إليه ؟! ولماذا لايكون ذلك إلا فى المباريات التى يكون طرف عربى هو منافسنا فيها ؟ أليس هؤلاء المطربون الذين يقودون الجماهير فى المدرجات هم أنفسهم الذين يتهربون من دفع الضرائب بالتحايل أو التلاعب ؟! أليس هؤلاء الذين يجرون فى الشوارع حاملين الأعلام الوطنية هم الذين ( يزوغون ) من أماكن أعمالهم – إذا كان لديهم عمل – وهم الذين من الكمسرى فى القطارات أوالمواصلات العامة – ويتفاخرون أمام أقرانهم بذلك الذى يعتبرونه نوعا من الذكاء وحسن التصرف ؟ وهم ايضا الذين يتحايلون للحصول على ما هو ليس من حقهم فى أى شىء .. وكل شىء ؟ أليس هؤلاء المسئولون هم الذين يزورون الانتخابات ويختلسون الأموال ويسرقون البنوك ثم يعلنون حرصهم الزائد على مصالح المواطنين وأرواحهم وهم الذين لم يعبأوا بأرواح المصريين التى تزهق فى عرض البحر بالمئات ويأمرون بتسيير جسر جوى لنقل المشجعين إلى السودان ولم يهتموا بإرسال طائرة واحدة لإنقاذ ضحايا العبارة بين أمواج البحر الأحمر .. ولم يكترثوا بمصالح وأرواح المصريين الذين تطاردهم الشرطة فى شوارع أوروبا وأزقتها أو الذين يشربون الذل فى بلاد عربية آخرى ؟! ولماذا الحرص على مصالح المصريين فى الجزائر . وليس الحرص على مصالح المصريين فى مصر نفسها . ؟ ألم يهدموا بيوت الفقراء فى الريف ويضنوا عليهم بالمياه النظيفة . والمستشفيات المناسبة ؟! لماذا الحرص على مصالح المصريين فى الجزائر . . وليس الحرص على أرواح المصريين وكرامتهم فى أقسام الشرطة فى بلادهم ؟! أما الذين يتزاحمون أمام منافذ بيع التذاكر .. فلماذا لا يتزاحمون أمام لجان ويتقاعسون عن المشاركة فيها ويدافعون عن مرشحيهم كما يدافعون عن لاعبيهم ؟! أليس هؤلاء هم الذين يلقون بالزبالة فى الشوارع ولا يشاركون فى جمعها ؟ أليس هؤلاء هم الذين يزوغون من المحاضرات وقاعات الدرس فى الجامعات والمدارس ؟ أليس هؤلاء هم الذين يتزاحمون فى دور السينما وتخلو منهم المساجد ؟ لو أننا كنا نحب هذا البلد حقيقة – وليس زيفا أو إدعاء – لكان أنظف بلاد الدنيا وأجملها . لو أنننا كنا نحب هذا الوطن حقيقة لما كنا على هذه الحال من التخلف والفقر والجهل والمرض . لو اننا كنا نحب هذا الوطن حقيقة لتحمسنا لكل سىء فيه تحمسنا للكرة وفريقها . لماذا تستأثر الكرة بولاءنا وحبنا ولا نعطى شيئا من ذلك لشوارعنا وأعمالنا وممتلكاتنا العامة . ومصيرنا الذى بات مهددا بالتواكل والتقاعس والإحجام والسلبية ؟! هل نحن خير امة اخرجت للناس حقا ؟ وإذا كان هذا هو حالنا من السوء ، فلابد ان يكون الناس الذين نحن خيرهم . أسوأ منا .. وهذا ليس صحيحا للأسف !!