الشيخ محمود شعبان يقول في الفيديو: "حكم جبهة الإنقاذ التي تريد حرق مصر من أجل الكرسي هو القتل". فتوى واضحة وصريحة وقاطعة منه بإهدار دم كل من ينتمي للجبهة. إذن، يمكن لأي ناقم على الجبهة، أو رافض لها، أو مختلف معها، أو أي متطرف دينيًا أو سياسيًا، أو مخبول أن يحمل سلاحه ويقتل من يجده في طريقه من قادتها وأعضائها. هذه فتوى بائسة من شخص ينتمي لمؤسسة الأزهر الشريف والخطير أن انتماءه لتلك المؤسسة الدينية يمنحه ثقة في شخصه وفي كلامه وبالتالي يجعل من يريد القتل أن يفعل ذلك وهو مطمئن لأن الفتوى صادرة من أستاذ أزهري، وليس من داعية ينتمي إلى إحدى الجماعات الدينية، أو تيارات الإسلام السياسي مثلًا. الأزهر يوصف بأنه رمز الوسطية والاعتدال ومكانته في القلوب والنفوس مقدرة ومصداقيته عظيمة وهناك إيمان بأنه المرجعية الدينية المقبولة من كل ألوان الطيف السياسي والمجتمعي وحتى من الإخوة المسيحيين في تفسير القضايا الدينية المختلف عليها، وفي الاطمئنان له فيما يتعلق بقضية الشريعة، فماذا نقول إذن في نموذج الأزهري محمود شعبان الذي يبيح إهدار الدم، وهو ليس وحده في ميدان التشدد الذي يستظل بالأزهر، هناك آخرون غيره الله أدرى بعددهم وبمستويات جنوحهم وغرابة تفكيرهم في قاعات العلم وعلى المنابر وفي الفضائيات قد يلقنون الطلاب والناس أفكارًا غير معتدلة ولا متسامحة تجاه الخصم السياسي والديني والثقافي، هذا أمر دخيل على الأزهر وفيه تشويه لصورته وحرفه عن دوره وهذا يعطي مبررًا للفريق الذي يخشى من محاولات تغيير وجه وتوجه تلك المؤسسة العريقة في هذه المرحلة السياسية القلقة التي تفتقد للثقة بين الفرقاء والفاعلين على الساحة. لذلك نخشى أن نصل لمرحلة يكون الانتماء فيها للأزهر لا يعد ضمانة كاملة بأن الداعية أو العالم يفهم الإسلام فهمًا عصريًا عقلانيًا معتدلًا مقبولًا، كما هو الحال مع بعض الجماعات الدينية التي تنزع نحو التطرف. فتوى الشيخ شعبان صريحة، لكن بعد أن أحدثت ضجة واسعة منذ إطلاقها وحتى خروجه من النيابة صار يزعم أنه لم يكفر أحدًا، ولم يهدر دم أحد، ويدعمه محاميه بقوله إنه تم اجتزاء كلامه، لكن الأجدى لتصحيح الخطأ أن يكون شجاعًا ويعتذر عن فتواه صراحة بدل هذا اللف والدوران، خصوصًا وأن الفيديوهات على "اليوتيوب" تكشف هذا الالتفاف الواضح، وتفضح تلك الفتاوى التي تسيء للإسلام، وتدعي أن من يعارض الحكم يعتبر خارجًا عن الدين ويستحق التنكيل، بل القتل، ومنذ أيام حصل تطبيق عملي لفتوى مماثلة أطلقها البعض في تونس وبواسطتها اغتيل السياسي اليساري شكري بلعيد، سمعت تلك الفتوى من ملتحين في مؤتمر عام يحرضون فيه على قتل مخالفيهم وكأنهم موكلون من الله بتطبيق شريعته، وحفظ دينه، والرقابة على خلقه، ومحاسبتهم في الدنيا. تاريخ المسلمين يمتلئ بمن هم مثل محمود شعبان وأقرانه في كل مكان من الغلاة الذين مكنوا للسلاطين والولاة والأمراء قتل المختلفين معهم بفتاوى تحت زعم أنهم خارجون عليهم، أو يهددون مصلحة الأمة والجماعة، أو يثيرون الفتن، أو يشعلون الثورات حتى صار الذبح داخل بيوت الحكم نفسها وليس ضد المعارضين فقط بنفس هذا المنطق الديني. هذا التراث المقيت يجب أن يختفي لأنه يشوه حقيقة الإسلام الذي يصون حرمة النفس والدم ولا يعرف قتل النفس إلا بالحق، وهذا الحق له إجراءات طويلة وليس في لحظات يقولها صاحب السلطة "خذوه فاقتلوه"، واليوم في الدولة الوطنية العصرية هناك مؤسسة قضائية تتولى هذه الأمور، وتفصل فيها وفق إجراءات وضمانات صارمة، وليس في الفضائيات على الهواء. هذا الشيخ الذي لا يدري ما الحرية ألا يدرك أبسط قواعدها وآلياتها ومنها أنه من حق أي مواطن أن يسعى لكرسي الرئاسة أو أي كرسي آخر من خلال الاختيار الشعبي الحر، وبالتالي تصير معارضة السلطة من دون عنف أمر طبيعي بل ضروري حتى تتكشف أخطاء وسوءات السلطة وتسعى لعلاجها، أو يجلس المعارضون مكانها إذا أخفقت، فلا حصانة للحاكم عن النقد مهما كانت حدته، بل وتغييره بالوسائل السلمية إذا أخل بواجبات ومقتضيات التفويض الشعبي الممنوح له. لم يكن الإسلاميون ولا هذا الشيخ نفسه ليتحدث وتتابعه وسائل الإعلام مالم تكن هناك حرية الرأي والتعبير، ولم يكن الإسلاميون ليفوزوا في الانتخابات ويتقلدوا المنصب الأرفع وهو رئاسة الدولة مالم تكن هناك ديمقراطية وانتخابات حرة، أي استخدام كل الوسائل السلمية للوصول للسلطة، ولم يكن يحدث التغيير في مصر مالم تكن هناك ثورة سلمية وليست عنيفة أسقطت الديكتاتور، فهل يقبل هذا الشيخ أن تطبق اليوم فتواه على الثوار لأنهم أزاحوا مبارك عن الكرسي وجلس واحد منهم عليه؟ لا تعيدونا لعصور الظلام، وسفك الدماء، وذبح الناس على الظّن، أو لمجرد الشك والارتياب، أو الاختلاف. [email protected]