في رحلة علمية طلابية مع قسم الإعلام في جامعة البحرين تم تنظيمها قبل سنتين إلى ماليزيا، كان من الملفت جداً أن نلحظ اهتمام الناس على كافة مستوياتهم بموضوع الرؤية الماليزية للعام 2020. جميع المؤسسات التعليمية والأكاديمية والإعلامية وحتى رجل الشارع العادي يتحدثون عن هذه الرؤية. تلاميذ المدارس التي زرناها كانوا يرددون مفاهيم يحفظونها عن مستقبل سيعيشونه وكأنه غداّ. حيث يسعى الماليزيون على اختلاف عرقياتهم وأديانهم لتحقيق نهضة البلاد حتى تصبح من دول العالم الأول. يتساءل الإعلامي السعودي المميز أحمد الشقيري (صاحب برنامج خواطر) عن وجود رؤية لحياتنا، وهل لنا رؤية أصلا؟ وذلك في كلمة ألقاها ليلة تكريمه مساء الجمعة الماضي في الحفل السنوي لجائزة الشباب في العمل الإسلامي والذي أقيم في البحرين. ويضرب مثلاً بماليزيا. ثم يعود ويقول: هل نجد أحدأ في البلاد العربية يملك تصوراً عما ستصبح عليه بلادنا بعد خمس، أو عشر، أو عشرين سنة؟ ثم يسأل الحاضرين وبأسلوبه المباشر البسيط: هل لدى أحدكم رؤية شخصية لعام 2010؟ نحن في البحرين حسمنا الموضوع. ووضعنا بطموح ولي عهد البحرين رؤية اقتصادية تتصور مستقبل المملكة في 2030. وجود رؤية بحد ذاته إنجاز. فكم سئمنا الحديث عن انجازات الماضي وبكينا على أطلال السابقين. وأعتقد أنها المرة الأولى التي نحاول فيها التفكير بعقلية مستقبلية تتجاوز احباطات الحاضر. المشروع ضخم، ويحتاج إلى نفس طويل يتخطى عراقيل اللحظة الراهنة، وإلى جهود جبارة لصناعة الأمل، أمل نهضة حضارية حقيقية تتخلى عن ممارسة الوعود الكاذبة وأحلام اليقظة التي يعيشها اليائسون والعاجزون. المشروع لن يُكتب له النجاح على يد الحكومة وحدها، مهما ملكت من إمكانيات. فما لم يُشرك الناس في صنع مستقبلهم، فإن أي جهد سيكون مبتوراً. ذلك أن تحقيق أهداف الرؤية تعتمد على شراكة حقيقية بين الحكومة وجماهير المواطنين على اختلاف أطيافهم. هذه الشراكة يجب أن تتحول إلى تبنِ، بما يشبه العقيدة الراسخة، لمشروع الرؤية. بحيث تصبح حقيقة أمام الناس يتحدثون عنها ويناقشون تفاصيلها ويطبقون مبادئها في كل مكان ولحظة في البلاد. هنا يتربع علم التسويق السياسي لتحويل خطط المستقبل إلى واقع يحياه الناس. وهو علم يعتمد استراتيجيات علمية وتكتيكات تطبيقية تحوّل نظرياته إلى آليات تتداخل مع أهداف الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين. ويمكن الاستفادة من تجارب غربية ناجحة ليس أقلها من تجربة وتسويق حزب العمال البريطاني في التسعينات، وتجربة الحزب المسيحي الديمقرطي الألماني الذي أوصل أنغيلا ميركل أول مستشارة ألمانية إلى سدة الحكم. وكذلك الاستخدام الفعال لتسويق الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما وتتويجه كأول رئيس أسود للولايات المتحدة... وغيرها من تجارب سياسية باهرة النجاح اعتمدت على استخدامات ذكية لهذا العلم لتسويق مشاريع سياسية وبرامج وشخصيات وأحزاب ورؤى. ولابد من التأكيد أيضاً على قدرة وسائل الإعلام التقليدي والجديد في رسم العلاقة بين الحكومات والجماهير وبيان حدود المشاركة والتفاهم وبناء علاقة توافقية بين الطرفين، وتبعد في الوقت نفسه استخدام الإعلام كأداة للدعاية السياسية الفارغة. ولاشك أن بيان استخدام التسويق السياسي وتطبيقه ليخدم الرؤية الاقتصادية في البحرين يحتاج لشرح أوفى وأوسع من مجرد الإشارات السريعة لمفاهيم تدرس الآن في جامعات متقدمة. كما يمكن التأكيد على أن عملية التسويق السياسي ليست مرحلة في البداية وحسب، وإنما هو عمل دؤوب يستمر خلال تطبيق الرؤية بمراحلها الزمنية قبل وأثناء وبعد الرؤية. بمعنى آخر، فإن أهمية التسويق للرؤية تحتاج إلى تثبيتها كإدارة نافذة في عموم هيكلية المشروع. قالت لي طالبة شاركت في الرحلة العلمية إلى ماليزيا: "أعود من ماليزيا وقد رسمت في ذهني رؤية لحياتي كلها". وهذا دليل واضح على التأثير الذي أحدثته رؤية ماليزيا حتى لزوارها من السياح. في البحرين، ومع تجربتها المميزة في استلهام المشروع الإصلاحي نستطيع أن نفعل الكثير لإنجاح المشروع الأضخم وهو تحقيق رؤية 2030. * أستاذ الإعلام السياسي – جامعة البحرين