لم يصدق كثير من المتحمسين ما دافع به حزب النور عن مبادرته التى دعا فيها إلى حقن دماء المصريين، ولو بقبول بعض التنازلات السياسية لأعضاء ما يسمى بجبهة الإنقاذ من أجل هذا الهدف الأسمى، و سارع كثير بالاتهام بالنفاق والعمالة والانتهازية السياسية مما كان له الأثر البالغ فى قلوب كثير من السلفيين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل السنة أعرف الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق، ولذلك نجد أهل السنة لا يسارعون باتهام الناس فى نياتهم ولا تكفيرهم ولا الحكم عليهم بل يترفقون بالناس، ويقدمون حسن الظن المأمور به فى التعامل معهم مع أخذ الحيطة من الغدر والخيانة من غير أن يترتب على ذلك الحذر آثارًا تفسد العلاقة بين الناس، و لذلك علمنا عمر بن الخطاب - رضى الله - قاعدة عظيمة فى التعامل مع من تخشى غدره فقال: لست بالخب ولا الخب يخدعنى، أى لست بالمخادع ولا المرواغ ولا المتلون ولا يخدعنى هذا الصنف من الناس. ولا شك أن حرمة الدماء لا يقدر قدرها إلا من يوقن أنه سيقف بين يدى الله فيحاسبه على الصغير والكبير، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء/93. و قال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء"، و قال "لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا"، و قال فى نصرة المظلوم "لا يقفنَّ أحدكم موقفًا يُقتل فيه رجلٌ ظلمًا؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ". و فى الحديث أيضًا: " يأتى المقتول متعلقًا رأسه بإحدى يديه متلببًا قاتله بيده الأخرى يشخب أوداجه دما حتى يأتى به العرش فيقول المقتول لله رب هذا قتلنى فيقول الله عز وجل للقاتل تعست ويذهب به إلى النار ". إن السياسة الشرعية قد تقتضى أن يقبل المسلم أهون الشرين لدفع أعظمه من غير مخالفة للكتاب والسنة، كما قبّل عبد الله بن حذافة رأس ملك الروم من أجل مصلحة عليا، وهى الإفراج عن جميع أسرى المسلمين، وألا يفتنوا عن دينهم. وهذا رسول الله يضرب لنا المثل بصلح الحديبية الذى سماه الله فتحًا مبينًا حين كتب محمد بن عبد الله بدلًا من محمد رسول الله، و كتب باسمك اللهم ولم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وهو مؤيد بالوحى - صلى الله عليه وسلم -، وفى غزوة الخندق هَمّ أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة مقابل أن يرجعوا عن تحالفهم مع قريش لغزو المدينة، و من سيرة الخلفاء عَزلُ عمر بن الخطاب لسعد بن أبى وقاص - رضى الله عنهما - عن إمارة العراق درءًا للفتنة التى أثارها بعض المفترين عليه مع حبه له وإقراره لفضله ومن شدة ثقته به جعله من أخص مستشاريه بل ورشحه - عند طعنه - للإمارة العامة للمؤمنين ضمن الستة الذين عدهم. إن حقن دماء المصريين من الأمور العظيمة التى تُبذل من أجلها الجهود ويُتنزل فيها للخصوم درءً للفتنة وصيانة للأمة من عبث العابثين وكيد المتربصين. فإن كان اجتهاد حزب النور السياسى فى مبادرته تلك قد آتى أكله فبها ونعمت، وإلا فيكفيهم شرف القصد والمحاولة، و ليمسك امرؤ لسانه عن إخوانه ولا يقول إلا خيرًا. نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة و قال ((ما أطيبك، وما أطيب ريحك؟ ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك ؛ ماله ودمه، وأن تظن به إلا خيرًا)). [email protected]