خلت الشوارع من المارة ولم يعد في الطريق إلا من اضطرتهم الحاجة القصوى ... فالكل في انتظار لحظة التكبير لآذان المغرب حتى يفرحوا جميعا فرحتان .. فرحة الثواب وفرحة الإفطار . بهاء فزاع شاب لم يكمل العقد الرابع من عمره يجلس بين أولاده وأسرته مثل الالآف من الاباء والأمهات يضعون أمامهم حبات تمر يفطرون عليها حتى يصلوا المغرب ثم يعودوا فيكملوا فطارهم .. نسي في لحظة صفاء ما تعرض له ظلما وتعسفا عندما أبلغته جهة أمنية بضرورة أن يكف عن الخطابة فاعتبر أن ذلك ابتلاء من الله ودليل دامغ على أنه يسلك طريق الحق . قال ليست الدعوة مقتصرة على المنابر والمساجد فأرض الله واسعة ومن هم في حاجة إلى الدعوة يملأون كل مكان في الشارع وعلى القهاوي والمصانع والمزارع . لم يكن بهاء فزاع عضوا في جماعة محظورة أو تنظيم سري فقد آثر أن يعمل في النور يدعو الناس بلا خوف أو وجل ..فصدق ما يقولونه عن حرية الرأي والتعبير وما يتشدق به النظام ليل نهار من أن الأحزاب لها حق الحركة والدعوة إلى برامجها وأفكارها فسارع بأن يكون عضوا بحزب العمل ذي التوجه الإسلامي . في أحد أيام رمضان وقد تجمعت كل أسرة بهاء على ( الطبلية ) فرحين بما أنعم الله به عليهم من طعام شهي وأمن وطمأنينة فوجئت الأسرة الآمنة بعشرات من رجال الشرطة الممسكون بالبنادق والرشاشات فوق رءوسهم بعد أن هجموا عليهم وكانهم في إحدى عمليات مكافحة الإرهاب . فجأة اختلطت اصوات صراخ أطفال بهاء بصرخات زوجته بتلك الأصوات التي تطالب بهاء بسرعة القيام والذهاب معهم إلى حيث لا يدري . أخذوا بهاء دون أن يتناول إفطاره ودون أن يعلم لماذا هو بالذات وماذا فعل ليعاملوا بهذه الطريقة .. رفض بهاء أن يتناول إفطاره في حجزه احتجاجا على ما فعلوا به وآثر أن يفطر على قهر النظام . تسعة عشر شهرا مرت على بهاء في سجون مصر و لا يدر أحد ما هي جريرته بالضبط ، كانت فيما يبدو محض شبهة ، و اخذ الناس بالشبهات ظلم كبير ، فهل من صاحب ضمير و مروءة ، ممن يملكون سلطة اتخاذ القرار ، يعيد هذا المسكين إلى اهله