صحيح: إنها مصيبة كبرى أن تتجاهل أحزاب المعارضة مطالب القضاة وموقفهم الحاسم في جمعيتهم العمومية غير العادية التي انعقدت منتصف الشهر الماضي. ولا يملك المرء إلا أن يشارك المستشار يحيى الرفاعي شيخ القضاة عتابه المرير لأحزاب الوفد والتجمع والناصري على ما رآه -عن حق-تجاهلا من هذه الأحزاب لصلب ومضمون مطالب القضاة. لم يكن متصورا أن يقف شيخ القضاة موقف اللائم لتلك الأحزاب لتعاملها المشين مع ما طرحه القضاة في انتفاضتهم غير المسبوقة، ولم يكن ملائما أن يضطر الشيخ الجليل إلى مطالبة هذه الأحزاب بأن تقوم بما يجب عليها القيام به دون مطالبة من أحد! كان المأمول أن تقف مصر ولا تقعد قبل أن تتحقق مطالب القضاة كاملة غير منقوصة ليس لأنها مطالب عادلة، ولا لأنها صادرة عن حماة الحقوق وسدنة العدالة، ولكن لأن مصر وحدها هي المستفيد من تحقيق هذه المطالب. لقد بحت أصوات القضاة، وطال الانتظار بهم حد الاستخفاف بما يطالبون به منذ ربع قرن أو يزيد، وما تزال تلك المطالب في ثلاجة وزارة العدل أو حبيسة أدراج السادة الحكام! كان يجب على مصر كلها أن تقف وقفة رجل واحد مع القضاة ومطالبهم، فما فعلوه في جمعيتهم ليس حدثا عاديا تجري به المقادير كل يوم ولا كل سنة ولا كل عقد، حتى يمر عليه المجتمع مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن! أن يثور القضاة، بل أن يهددوا بالامتناع عن الإشراف على أية انتخابات قبل الإفراج عن قانون استقلال السلطة القضائية، فذلك له معاني كبيرة وكثيرة كان يجب ألا تفوت على أحد خاصة في الأحزاب التي تسمي نفسها كبيرة! أن يعتبر القضاة مكافآت الإشراف على الاستفتاء ليست إلا رشوة مقصود منها شراء سكوتهم على التزوير كان لابد أن يوجع كل ضمير حي في هذا البلد! مطالب القضاة ليست فئوية، ولا هي تحقق لهم ميزات خاصة، إنها تحمي استقلالهم في مواجهة تغول السلطة التنفيذية، وتجعل إشرافهم النزيه على الانتخابات هو الضمانة الوحيدة المتبقية لنزاهة الانتخابات.. مطالب القضاة تغني – إن هي تحققت- عن أية مطالبات بالإشراف الدولي أو الرقابة الدولية على الانتخابات حيث يتوافر الإشراف المأمون بديلا عن الإشراف المصاحب بشبهة التدخل في شئوننا الداخلية.. يرفض القضاة تحويلهم إلى "ديكور" انتخابي أو أن يصبح إشرافهم على الانتخابات صوريا، ويأبون إلا الدفاع عن إرادة الشعب في اختيار ممثليه بحرية ونزاهة وحيدة، ثم تسكت المعارضة وكأن لا شأن لها بهذه المطالب، أو كأنها لا تدخل في اهتماماتها! يأبى القضاة أن يكونوا شهود زور على انتخابات مزورة، وتخرس ألسنة الأحزاب عن المطالبة بما يطالب به القضاة! يتعفف القضاة عن أن يقوموا بدور "المحلل" بين حاكم طلق كل علاقة حسنة مع شعبه ولا يجدون من الأحزاب إلا آذانا لاهية وقلوبا لا تفقه ! المستشار يحي الرفاعي له كل الحق في أن يبدي دهشته وربما استيائه من مواقف الأحزاب التي تسمي نفسها كبيرة.. وإذا كان سكوت تلك الأحزاب عن جهل بأهمية ما يطالب به القضاة فتلك مصيبة كبرى، وإذا كانت تعرف وتسكت فتلك- والله - أم المصائب!