يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار عليهم سيوف عامتهم من مضر فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير لما رأى منهم من الفاقة فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى ثم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»؛ «اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ"؛ فليتصدق امرؤ من ديناره ومن درهمه ومن ثوبه ومن صاع بره ومن صاع شعيره حتى ذكر شق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت تعجز كفاه بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كومين من الثياب والطعام فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل حتى كأنه مذهبة ثم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها وأجر من يعمل بها من بعده ومن سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده». إن هذه الصورة الرائعة من التكافل والتكاتف بين المؤمنين وصورة الأنصار لما رأوا إخوانهم في الدين المهاجرين يُشردوا ويُهجَّروا عن ديارهم وأموالهم ففتحوا لهم قلوبهم، وقاسموهم أموالهم، وآووهم في ديارهم، وقدموا لهم من التضحية والعطاء والترفع عن حب الدنيا ما عجز التاريخ عن أن يأتي له بمثيل، حتى خلد القرآن الكريم ذكرهم فقال تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». إننا نستحضر هذه الصور المعبرة حقيقة عن روح الأخوة في الدين وما يحبه ويرضاه رب العالمين وقلوبنا تتقطع من الألم ونحن نرى صورة الطفل السوري ينام فوق الثلج والأسرة المشردة تقتحم خيمتها الأمطار والبرد فتقتل الأطفال والنساء وهم يقاسون الأمرين من الشدة والعناء في مناظر تهز كيان كل من يملك ذرة من الإنسانية في وقت تعلن فيه الميزانيات بالفوائض المالية بالمليارات في بعض دول الخليج والعالم العربي ويتصدر الكثير من أثرياء الخليج والعرب قوائم أغنى أغنياء العالم ومنهم من يملك مئات الملايين والمليارات وكأننا مخلدون لها وهي مخلدة لنا وكأن الله تعالى لن يحاسبنا على تقصيرنا في سد حاجة إخوتنا السوريين اللاجئين والمشردين. إننا مدعوون وبشكل عاجل انطلاقًا من قوله عليه السلام: «مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» مدعوون أن نعيد تلك الصور المشرقة في صدر الإسلام من التكافل وأن نبذل كحكومات ونبذل كشعوب كل ما نستطيع لإنقاذ إخواننا من الهلاك والشقاء والعناء وتوفير الاحتياجات اللازمة لهم من مسكن وطعام وغير ذلك، مسترشدين بقوله تعالى:"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا".