كنت كتبت من قبل أحذر نظام الحكم في مصر من عين رايس الحمرا، لأني أعرف أن نظام حكمنا هو من الأنظمة التي لا تخاف ولا تختشى إلا من العين الحمرا، وإن كانوا تدربوا من قبل على مواجهة كولن باول طوال السنوات الأربع الأولى من حكم الرئيس جورج دبليو بوش، إلا أنهم لم يكونوا قد اختبروا بأنفسهم - حتى أمس- العين الحمرا لخليفته كوندليزا رايس! وكان من أسباب تحذيري لجماعة الحكم أن البادي للعيان أن عين رايس الحمراء غير عين باول نهائيا، فهي عندما تقول، تعنى ما تقول، وهى عندما تظهر العين الحمرا، فإن ذلك له ما بعده، وهو نذير شؤم على أي نظام إن لم يفعل ما يؤمر به! وبالأمس وفي القاهرة قالت رايس إن مصر أمامها فرصة وعليها مسئولية، و"الحدق يفهم"أن الفرصة المتاحة أمام نظام الحكم الآن هي أن يثبت أنه الأسرع من غيره في الاستجابة للعين الحمرا، وعليه أن يعرف أن المسئولية الملقاة على عاتق نظام حكمنا هي ألا يجعل عين رايس الحمرا عرضة للإظهار طول الوقت! ولم تكن ثقتي في عين رايس الحمرا وحدها هي التي تقف وراء قناعتي بفاعليتها مع نظام حكمنا، بل قد تكون ثقتي في استجابة نظام حكمنا للعين الحمراء هي السبب وراء هذا القناعة. والعين الحمرا وحدها هي التي تجعل نظام حكمنا يتوقف عن ترديد أغنية رفض التدخلات الأجنبية، والخوف كل الخوف أن يتلكأ النظام في الاستجابة لكلام الست كوندي عن الديموقراطية الغائبة عن مصر، ويسارع إلى الاستجابة لكل ما يفرط في السيادة الوطنية ولكل ما يمرر المشروع الأمريكي في المنطقة العربية! والحقيقة أنه لا أحد إلا السذج والمتآمرين وحدهم هم الذين يمكن أن يصدقوا أن رايس ومن ورائها أمريكا تريد ديموقراطية حقيقة في المنطقة، وكل عاقل يفهم بدون حاجة إلى كثير من الشرح أن كل ما يهم الولاياتالمتحدة هو تحقيق مصالحها، والديموقراطية المطلوبة أمريكيا في المنطقة هي الديموقراطية التي تضمن تبييض وجه أمريكا الأسود الذي لا يبدو فيه غير التدمير الجاري في العراق وغير الانحياز الأعمى للصهاينة في إسرائيل وغير الدعم الكامل الذي تلقاه الأنظمة الديكتاتورية من الإدارات المتعاقبة ما دامت تلك الأنظمة تسهر على تحقيق المصالح الأمريكية في العالم. حتى النقد الذي تتحدث عنه الآنسة كوندي لسياسة دعم الديكتاتورين طوال الستين عاما الماضية ليس إلا محاولة جديدة للاستمرار في سياسة الخداع! ولعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن أهداف الضغط الذي تمارسه أمريكا وتستخدم فيه العين الحمرا لكوندليزا رايس تتراجع فيها الديموقراطية إلى آخر سلم الاهتمامات الفعلية للسياسة الأمريكية، وهي عندما سئلت عن رد الفعل الأمريكي على عدم التزام النظام في مصر بالديموقراطية والتراجع عن إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة حارت جوابا وتلعثمت وهي الطليقة في الكلام! والنظام المصري يعرف أكثر من غيره المطالب الأمريكية الحقيقية منه ومن الأنظمة الشبيهة له في المنطقة، ولذلك فهو وإن أبدى امتعاضا من الإظهار المتكرر للعين الحمرا لا يتأخر في تحقيق المطلوب منه، مطمئنا إلى أن ممانعته في مواجهة الضغوط من أجل إجراءات تبدو ديموقراطية - وتضمن تحسين صورة واشنطن لدى الشارع المصري- لن يكون لها أي اثر سلبي على علاقته الاستراتيجية مع الإدارة الأمريكية، فواشنطن لا تبيع مثل هذه العلاقة بوهم تعرف هي قبل غيرها أنها لن تحصل عليه من معارضة هذا النظام إن هي ساعدت في تحقيق ديموقراطية لن تكون نتيجتها غير الانقلاب على المشروع الأمريكي برمته! لذلك تبقي كل الأمور "كما كنت" قبل الزيارة وبعدها، لأن واشنطن لا تملك البديل، ويظل النظام الحالي ورقتها الرئيسية في مصر. ولا عزاء للمراهنين على عين رايس الحمرا! [email protected]