هل من الصواب أن تقبل الحكومة المصرية إشراف مراقبين دوليين على الانتخابات المزمع إجراؤها قريباً؟الإجابة على هذا التساؤل ذات شقين: الأول: مدى استعداد الحكومة المصرية لإجراء انتخابات نزيهة، بكل ما تحمله كلمة النزاهة من معان. الثاني: المدى الذي ستذهب إليه القوى الكبرى، وخاصة الولاياتالمتحدة، في استخدام المراقبين الدوليين. فيما يتعلق بالشق الأول، فمن المؤكد حسب كل المؤشرات الظاهرة حتى الآن أن الانتخابات المقبلة سواء الرئاسية أو البرلمانية لن تختلف في جوهرها عن الميراث الانتخابي المصري، منذ دستور 1923 مروراً بثورة يوليو وصولاً إلى المشهد الراهن، فعلى امتداد هذه الحقب كان الميراث الغالب هو تزوير الإرادة الشعبية عبر انتخابات موجهة ومعروفة النتائج سلفاً. إلا في حالات نادرة جداً، تمثل استثناءً، فالقاعدة العامة كانت هي التزوير. واليوم نجد أن الحكومة المصرية رفضت كل المقترحات المؤدية إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، سواء تلك التي تقدمت بها القوى السياسية أو النقابية أو تقدم بها القضاة، مما يعني أن نية التزوير حاضرة بقوة هذه المرة. وهو ما يثير علامات استفهام ضخمة حول إمكانية قبول الحكومة لحضور مراقبين دوليين. ربما تريد الحكومة تلافي الضغوط الدولية وخاصة الأميركية، وربما تريد تجميل الصورة أمام العالم، وربما يكون هناك اتفاق على نوعية وجنسية المراقبين وأهدافهم، بحيث يتم تطويعهم. وقد ترى بعض القوى السياسية المعارضة أن وجود المراقبين يكفل فرصاً انتخابية تقلل من حدة التزوير، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، إلا أنه ليس عاملاً حاسماً لضمان نزاهة الانتخابات، فإذا لم تتوافر الضوابط القانونية التي تكفل النزاهة، مع وجود الآليات الصحيحة، فلا قيمة للمراقبين الدوليين. وهذا يستدعي من قوى المعارضة المصرية الاعتماد على الإرادة الشعبية لإحداث الانفراجة الديمقراطية بدلاً من الارتكان إلى أي نوع من الضغوط الخارجية. وفيما يتصل بالشق الثاني فإن إصرار الولاياتالمتحدة على فرض المراقبين الدوليين على مصر يثير الشك، خاصة وأنها تعلم أن كل التغييرات التي تمت على مستوى الدستور والقوانين ليست سوى تعديلات ديكورية، وتعلم أيضاً أن الانتخابات لن تكون نزيهة، على أي مستوى في ظل انعدام تكافؤ الفرص. من المؤكد أن الولاياتالمتحدة تسعى لإعادة ترتيب الخريطة السياسية المصرية، بعدما تمكنت من تعديل الخريطة الاجتماعية والخريطة الاقتصادية على مدى العقود الثلاثة الماضية. ولذا توجه ضغوطها لتحقيق هذا الهدف، مع الوضع في الاعتبار أن يكون محكوماً بتحقيق مصالحها التي ربما تصل إلى إحداث الفوضى في المجتمع، حسب الخطط الأميركية. ولهذا السبب تصر على استخدام ورقة المراقبين الدوليين، فكلمة واحدة من هؤلاء المراقبين كفيلة بعدم اعتراف العالم، وخاصة القوى الكبرى وأميركا في مقدمتها، بنتائج الانتخابات المصرية، بما يؤدي إلى نزع شرعيتها خارجياً. وإحداث حالة من التصارع الداخلي حول من فاز ومن انهزم. وقد يؤدي هذا التصارع إلى فوضى شاملة أو ربما إلى السيناريو الأوكراني بهدف تصعيد القوى الجديدة المؤيدة لاستمرار التحالف مع الولاياتالمتحدة على حساب القوى الوطنية. في كل الأحوال، يمثل وجود المراقبين الدوليين في المشهد الراهن مشكلة للحكومة ومشكلة للقوى السياسية بنسب متفاوتة، لكن وجودهم قد يكون بلا أية خطورة محتملة في حالة استجابة النظام لمطالب القوى الوطنية فيتم وضع تشريعات وآليات تكفل للقضاة إدارة العملية الانتخابية بكامل مراحلها بما فيها إعلان النتائج، فعندئذٍ لن يستطيع أحد أن يشكك في الانتخابات أو يزعم تزويرها. فالقضاة دون غيرهم هم القادرون على إدارة الانتخابات بنزاهة تكفل الشفافية والعدالة لكل أطراف اللعبة السياسية، بما يقود إلى حالة من التوافق العام تضمن سد الثغرات التي يحاول الأميركيون النفاذ من خلالها. وعدا ذلك فإن كل الاحتمالات قائمة إذا حضر المراقبون الدوليون. ---- صحيفة البيان الاماراتية في 28 -6 - 2005