انتقل الوضع المتأزم للصحف الحكومية المصرية والتى شغلت الراى العام طوال الأسابيع القليلة الماضية إلى وسائل الإعلام العالمية ، وآخرها صحيفة الجارديان البريطانية التى أفردت تقريرا حول الإعلام الحكومى فى مصر وإشكالية رؤساء تحرير الصحف القومية . أكدت الجارديان أن المسيطرين على وسائل الإعلام في مصر يمرون بأوقات عصيبة.. ففي خضم المظاهرات المستمرة ضد الرئيس مبارك والمحاضرات التي يتلقاها النظام من واشنطن بشأن الحرية والديمقراطية فإنهم يبذلون جهودا مستميتة للاحتفاظ بسيطرتهم على مقاليد الأمور! وفي الأسبوع الماضي توقفت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في القاهرة في إطار جولة في الشرق الأوسط وألقت كلمة قالت فيها "انه عندما نتحدث عن الديمقراطية فإننا نشير الى حكومات تحمي حقوقا أساسية معينة لجميع مواطنيها ومن ضمنها حق التعبير بحرية". وتذكر الجارديان انه بمجرد مغادرة الوزيرة الأمريكية مصر حتى بدأ الرقباء في ممارسة أعمالهم وكأنهم يؤكدون صحة قولها حيث تم منع رسم كاريكاتوري في مجلة القاهرة الأسبوعية المستقلة عن زيارة رايس. ولم يتضح سبب المنع على وجه التحديد ولكن يمكن للقارئ ان يحكم بنفسه بمطالعته على موقع المجلة على الانترنت. وليس من السهل التعرف على ملامح الرسم الكاريكاتوري على الانترنت الا انه يصور وحشا يسيل لعابه مربوطا بطوق عليه الحروف الثلاثة (ان.دي.بي.) التي ترمز للحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه مبارك. وأضافت الصحيفة البريطانية ان هذه هي المرة الثانية في اقل من شهر يتدخل فيها المسئولون في عمل المجلة ، وفي المرة السابقة حدث التدخل في عدد به تغطية للاستفتاء الهزلي على تعديل الدستور في مايو والمعاملة الوحشية للمتظاهرين.. منوهة الى تراجع الرقباء فيما بعد ولكن كانت النتيجة في الحالتين ان تم تعطيل المجلة وهو شكل معروف من اشكال المضايقة يؤدي الى مضايقة القارئ الذي لا يجد مطبوعته في يومها المحدد عند الباعة كما انه يؤدي الى احجام المعلنين عن نشر اعلانات بالمجلة. وبمرور الوقت يمكن ان يسبب ذلك اغلاق الناشرين للمجلة وعندها سوف تقول السلطات ان الاغلاق ليس له علاقة بأشكال القمع. وتدرس مجلة القاهرة الان طبع الرسم الكاريكاتوري على قمصان (فانلات) وهي فكرة مضادة لكافة اشكال الرقابة. فهل القمصان تعتبر "مطبوعات" في ظل قوانين الاعلام المصرية؟ هل يمكن ان يلاحق الرقباء قضائيا القمصان ومن يرتديها؟ وأشارت الى انه من المستبعد ان يخطر على ذهن نظام مبارك الملاحظات التى ذكرتها رايس فى محاضرتها بالجامعة الامريكية مثل ضرورة اتفاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة مع المعايير الموضوعية التي تميز اي انتخابات حرة ، وان جماعات المعارضة يجب ان تتمتع بحرية الاجتماع والمشاركة والتحدث لوسائل الاعلام ، وان تتم عملية التصويت دون عنف او مضايقات. وتؤكد الجارديان انه اتضح ان هذا الحديث لا يمكن لوسائل الاعلام الحكومية نشره واذاعته بينما مهمتها هي تصوير الزعيم الذي يبلغ من العمر 77 عاما على انه رجل يتمتع بحكمة بالغة ومحسن كريم .. وكان رد الفعل ازاء ماقالته رايس هو تسليط الضوء على ما قالته مجاملة للنظام وتجاهل الباقي. ونقلت صحيفة الاهرام على صفحتها الاولى ما قالته رايس ان مبارك فتح الباب للتغيير ولكنها تجاهلت الدعوات من اجل انهاء قوانين الطوارئ والعدالة العشوائية. وتكرر نفس الامر خلال الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء الى واشنطن ، وعندما اتصل بوش هاتفيا بمبارك في مطلع الشهر الماضي وحثه على اتخاذ عدة اجراءات ديمقراطية .. ولكن صحيفة الاهرام تناست ذلك وذكرت ان الرئيسين تبادلا الحديث بشأن عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وسبل دعم العلاقات الثنائية.. موضحة ان التأثير الوحيد لمثل هذا السلوك هو ان تبدو وسائل الاعلام المملوكة للدولة بشكل سخيف طالما ان الناس يستطيعون معرفة ماذا يحدث من خلال القنوات الفضائية ومواقع الانترنت والصحف المستقلة خاصة وأن من افضل التغطية الاخبارية اليومية لمصر مصدرها عدد من الصحفيين على الانترنت. وتناولت "الجارديان" ما نشرته صحيفة الجمهورية الجمعة الماضي فى صدر صفحتها الاولي بعنوان "الجارديان ينقل ما قاله سمير رجب: مبارك يقود الاصلاح في الشرق الاوسط." وكان سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية كتب عمودا في صحيفته يقول فيه ان "كلمة رايس أكدت فحسب على نفس المبادئ التي تنادي بها مصر". وقال "يجب علينا ان نقر بأن الرئيس حسني مبارك هو الذي بادر لإجراء إصلاحات في الشرق الاوسط" وان "واشنطن الان تعرف اننا كنا محقين ومخلصين." ويفيد التقرير ان "جارديان" نقلت وجهة نظر رجب في تجميع لردود الأفعال بشأن زيارة رايس للشرق الأوسط ومن ضمنها رأي من الديلي ستار اللبنانية التي تحدثت عن التخلص من "جميع التراب وبيوت العنكبوت التي قيدت التطور الديمقراطي في العالم العربي".. مشيرا الى انه لم يكن ما جاء بالجارديان سببا لان يتحمس رجب وينشر موضوعا عنه ولكن قراء الجمهورية ربما جاء لهم انطباع بأن نقل ما قاله رجب يعني ان الصحيفة توافق عليها. وتؤكد الصحيفة البريطانية انه عندما يتعلق الأمر بالإشادة بالرئيس مبارك فان من الصعب مجاراة رجب على الرغم من ان الصحافة الحكومية تتسم باستخدام التعبيرات اللفظية الضخمة ويمكن ان نتوقع هذا في ضوء معرفة ان الحكومة هي التي تعين او تستغنى عن خدمات رؤساء التحرير . وتتهم الجارديان النظام الحاكم فى مصر بالتسلط الى حد ان الاخبار الهامة لا يسمح لها بأن تبث الى ان يوافق المسئولون الكبار عليها.. مدللة على ذلك حين انفجرت قنبلة في القاهرة القديمة في ابريل الماضي ، وأذاعت قناة الجزيرة القطرية النبأ الساعة 6.30 مساء ، وبعد ساعتين ونصف الساعة أذاع التلفزيون المصري الخبر. وحسب روايات بصحف مستقلة ان التأخير يرجع إلى ان المسئول عن الأخبار في التلفزيون الرسمي كان قد أغلق هاتفه المحمول ولم يكن من الممكن الاتصال به لاستئذانه في إذاعة الخبر! وبينما تتسع الشقوق في نظام مبارك فان هناك شائعات قوية بأن هناك حملة تغيير للقيادات الإعلامية ولكن هذا لن يحل جميع مشاكل وسائل الإعلام ولكنه بالتأكيد بداية جيدة خاصة وان الكثير من رؤساء التحرير تخطوا سن التقاعد.. وحاول المجلس الأعلى للصحافة المسئول اسميا عن تعيين رؤساء التحرير إخماد الشائعات وأصدر بيانا يقول فيه ان الديناصورات سوف يتم الإبقاء عليها من اجل مصلحة الأمة!!