منذ أيام انتقدت وجود د.عصام العريان، وغيره من قيادات "الإخوان" بالشورى، واعتبرت هذا الحضور "عبئاً" على الرئيس.. وكان من الأولى أن يعين الثلث بالكامل من القوى المدنية ومن إسلاميين غير محسوبين على التيارين الكبيرين: الإخوان والسلفيون.. ومع ذلك تظل تشكيلة الثلث المعين "نموذجا" لولا هذا الذى أشرت إليه. واليوم.. فإننى مضطر للدفاع عن د.عصام العريان، والذى يتعرض لحملة بسبب دعوته "اليهود" المصريين للعودة إلى مصر. المفارقة هنا أن العريان، يتعرض ل"عتاب" قاس من إسلاميين.. ومن حملة "تشهير" مفتعلة من الليبراليين واليسار والقوى العلمانية على اتساعها. الطرفان الإسلامى والعلمانى دخلا فيما يبدو لي، فى سباق "مزايدة" على الرجل وعلى وطنيته.. فيما وقعا فى مأزق "وطني" و"أخلاقي" بل و"قانوني" أيضًا. العريان لم يتحدث عن اليهود "الصهاينة".. وإنما تكلم عن اليهود "المصريين".. أى عن مواطنين لهم حقوق المواطنة.. وإذا كان الليبراليون المصريون يقدمون أنفسهم باعتبارهم "رسل المواطنة" فإن المزايدة على العريان هنا تعكس حجم انتهازية التيار الليبرالى المصري، وتلفت إلى التوظيف السياسى الانتهازى ل"المواطنة" وأن المسألة لا تتعلق بالحيدة الأخلاقية، وإنما بموقف "الخصم" منها.. فالعريان تكلم من منطق "قانوني" محض يخص حقوق المواطنة ليهود مصريين.. إلا أن التيار الليبرالى المصري، استغل الخلط بين "إسرائيل" و"اليهود" فى الوعى الجمعى المصري، للإضرار بالموقف السياسى لحزب الحرية والعدالة، حتى لو جاء على حساب حقوق مواطنين مصريين، ناهيك عن الممارسة الضمنية للتمييز الدينى والحث على الكراهية الذى مارسه الليبراليون المصريون، وهى ممارسة تناقض تمامًا الأسس الأيديولوجية والأخلاقية والإنسانية التى شكلت قوام الفكر الليبرالى المحض منذ نشأته كنظرية فى السياسة والاقتصاد والاجتماع فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وما تلاها على يد "جون لوك" و"روسو" و"جون ستوارت مل" وغيرهم. من جانب آخر، فإن قطاعًا من الإسلاميين على خصومة مع الإخوان، نحت ذات المنحى، واستغلت هذا الخلط بين "إسرائيل" المغتصبة لأرض عربية وبين جماعة دينية مصرية "يهود"، لتزايد على "وطنية" العريان.. وتناست أن اليهودية فى المطلق "ديانة" وليست "أرضًا".. وأن اليهود المصريين شأنهم شأن المسلمين المصريين والمسيحيين المصريين لهم حقوق "المواطنة" سواء بمعناها "الحقوقى السياسي" أو بفحواها "الدينى والفقهي". الحملة على د.عصام العريان، بسبب تصريحاته الخاصة باليهود، تكشف عن أن خلافات النخبة فى مصر.. لا تقوم على "الخلاف السياسي" وإنما على "علاقات الثأر" بين التيارات السياسية والجماعات الدينية المختلفة.. وهى "مراهقة" فى الممارسة، تشير إلى أن المسافة التى تفصلنا عن التحول الديمقراطى الحقيقى مازالت بعيدة.. وربما تستغرق سنوات بلا أسقف. [email protected]