على طريق واحد وبمسار يكاد يكون متطابقًا، تسير كل من مصر وتونس بعد ثورتيهما اللتين دشنتا ما عُرف إعلاميًا ب"الربيع العربي". ثورتان شعبيتان أطاحتا سلميًا بنظامين ديكتاتوريين، لتتجه البلدان بعدها إلى طريق ديمقراطي بدا محفوفًا بالاضطرابات والاحتجاجات المتكررة ضد الأنظمة الجديدة التي ما زالت في بداية مرحلة "محاولة البناء"، والمطالبات العديدة بإصلاح فوري يلمسه الشعب على كافة الأصعدة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، دون رغبة أو ربما قدرة على الانتظار. وكما تشابهت الأزمات التي شهدتها البلدان، تطابقت كذلك الحلول التي يراها القادة الجدد في القاهرةوتونس في المرحلة الحالية المحتقنة، فاتفقت الرؤى في البلدين على ضرورة التسريع ب"التأسيس السياسي" أولاً عن طريق كتابة الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية، لتتولى المؤسسات المنتخبة دورها في قيادة الديمقراطية الناشئة. ففي مصر وبعد سلسلة من الاعتصامات والإضرابات لمختلف الفئات الوظيفية والعمالية لمطالب "مالية"، وفي ظل غياب مجلس الشعب (الغرفة الأولى بالبرلمان والمسؤول الرئيسي عن التشريع) بسبب حله بقرار قضائي، أصدر الرئيس المصري محمد مرسي (الذي آلت إليه السلطة التشريعية بعد إسقاطها عن المجلس العسكري الحاكم قبله) إعلانًا دستوريًا في الثاني والعشرين من الشهر الماضي حصّن فيه قراراته من الطعن والإلغاء، كما حصّن فيه الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد ومجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) من الحل. القرارات الرئاسية الأخيرة اعتبرها مرسي سبيلاً للوصول السريع إلى "التأسيس السياسي" للبلاد باكتمال البرلمان والحصول على دستور دائم، يتيح رؤية واضحة لمسؤولية كل من سلطات مصر ومؤسساتها، ويضع البلاد، بحسب رؤيته، على الطريق الصحيح لديمقراطية ما بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. لكن معارضي قرارات الرئيس اعتبروها "تغولاً ديكتاتوريًا"، تضع سلطات البلاد كلها في قبضة رجل واحد وتتيح له التحول إلى "مستبد جديد"، وخرجت مظاهراتهم لتحتج في مختلف أنحاء البلاد وقابلتها مظاهرات للمؤيدين، وبين الفريقين وقعت اشتباكات في أكثر من محافظة، فيما كثفت الجمعية التأسيسية للدستور من عملها لتنجز مهمتها في وقت قياسي وتسلم مسودة الدستور، اليوم السبت، لرئيس الجمهورية، تمهيدًا لعرضه على الاستفتاء الشعبي، ومحاولة وأد فتنة ناشبة. أما في تونس، مهد "الربيع العربي"، فكانت الصورة مكررة، ولم تختلف فيها إلا تفاصيل تكاد تكون غير جوهرية. فهي تشهد أيضا مظاهرات واحتجاجات "اقتصادية الطابع"، واشتباكات مختلفة، وقع آخرها في محافظة سليانة شمال غربي العاصمة تونس، وما زالت متواصلة حتى مساء السبت لليوم الخامس على التوالي، وأهالي سليانة يريدون إقالة المحافظ ويطالبون بحقهم في "التنمية"، في مظاهرات حاولت الشرطة فضها واشتبكت مع المشاركين بها لتسقط أكثر من 220 مصابا من الجانبين حتى مساء الاثنين. الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، والذي يشارك حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية"، في الائتلاف الثلاثي المشكل للحكومة التونسية الذي تقوده حركة النهضة، رأى أن الحكومة الحالية برئاسة حمّادي الجبالي "عجزت عن تسيير شؤون البلاد". وقال المرزوقي في كلمة وجهها للشعب التونسي مساء أمس الجمعة، إنه يجب "إجراء انتخابات عاجلة قبل حلول الصيف المقبل"، معتبرا أن البلاد غير قادرة على تحمّل المزيد من الأزمات والانتخابات باتت "ضرورة حياتية". وكما لو كان يسير على نفس نهج مرسي في القاهرة، قال رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي، اليوم السبت، إن "التعجيل بكتابة الدستور والتوجه للانتخابات هو المخرج من حالة التطاحن والتوتر الحاصلة حاليًا في البلاد". هكذا اتفق كل من المرزوقي والجبالي على "حتمية التسريع بحل التأسيس السياسي"، كما ذهب الرئيس المصري محمد مرسي في نفس التوقيت تقريبا أو قبله بقليل. وذكر الجبالي في حوار صحفي أنه "لابد من قطع عدة خطوات وتتمثل الخطوة الأولى بالتأسيس السياسي أي التعجيل بكتابة الدستور والتوجه للانتخابات لأن هذا من شأنه أن يخفف من حدة التطاحن والتوتر". واعتبر أن ما تعيشه بلاده من احتجاجات "وضع طبيعي جدًا بعد الثورة" لكن الشعوب التي عانت اضطرابات الثورات في مصر وتونس، تبدو طامعة وبشدة في العدالة والتنمية والاستقرار التي قد تأتي جميعها كثمار التعجيل بالتأسيس السياسي.