في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي قال السفير الأميركي الجديد في مصر ريتشارد دوني إنه «يضع على قائمة اهتماماته في عمله في مصر تحقيق الديمقراطية والحرية للشعب المصري» ، كلام لم يسبق أن سمعنا به في تاريخ الدبلوماسية العالمية، أن تكون مهمة سفير دولة أجنبية هي تحقيق الحرية لشعب الدولة المبعوث فيها. ويقول السفير في شهادته أنه سيحقق هدفه هذا عن طريق إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تحت إشراف دولي، وعبر السفير عن تصميمه وعزمه القوي على أداء مهمته هذه قائلا «إن الشعب المصري لابد وأن ينال حريته مثله مثل شعوب أوكرانيا وجورجيا وأفغانستان والعراق ولبنان». إنها حقا بشرى طيبة للشعب المصري، فسوف يصبح المصريون قريبا مثل إخوانهم في العراق وأفغانستان، وسوف يخرج من بينهم بطل وردي جديد مثل ميخائيل سيكاشفيلي في جورجيا، أو بطل برتقالي مثل يوشينكو في أوكرانيا، وسوف يتحول لون الحياة في مصر إلى لون آخر، علي رأي الفنانة الراحلة سعاد حسني «الحياة بئه لونها بمبي». نحن نعلم جيدا مدى حاجة شعوبنا المُلحّة للتغيير وللحرية والديمقراطية، ونعلم أيضا أن الولاياتالمتحدة الأميركية أخذت على عاتقها تحقيق هذه المهمة الإنسانية والحضارية الكبيرة، ولن نشكك مثلما يشكك الكثيرون في حسن نية الولاياتالمتحدة في تحمل هذه المسؤولية، على الأقل باعتبارها الدولة الأكبر والأقوى في العالم، وكذلك بحكم كونها الدولة التي ذاقت الويلات من الإرهاب الدولي، وأيضا بحكم دورها التاريخي في التطور البشري وما تقدمه للبشرية من إنجازات عظيمة في مجالات عديدة بعيدا عن السياسة والحروب، ونعلم جيدا أن في الولاياتالمتحدة منظمات وهيئات تعمل بجدية وبحسن نية من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل في كل أنحاء العالم، وتقدم هذه المنظمات المساعدات والعون الكبير للفقراء والمقهورين في العالم كله، وهذا في حد ذاته ربما يمنح أميركا وأمثالها من الدول الكبرى ليس فقط الحق بل والمسئولية في النهوض بالشعوب الأخرى ومساعدتها في بناء نفسها، شريطة ألا يتعارض هذا مع قواعد القانون الدولي من حقوق السيادة وعدم التدخل في شئون الغير وغيرها من الحقوق. لقد قال السفير الأميركي ريتشارد دوني في شهادته أمام الكونغرس أن وزيرة الخارجية الأميركية ترفض حجج النظام المصري لعرقلة الإصلاح السياسي والديمقراطية، وأكثر من ذلك هدد السفير بحجب الدعم الأميركي عن الحكومة المصرية وقال ان هذا الدعم سيوجه إلى المخلصين في المجتمع المدني. والسؤال هنا، هل هذه كلها من مهام السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين؟ لا ندري حقيقة كيف سيقف هذا السفير أمام رئيس النظام الذي قال عنه كل هذا الكلام ليسلم له أوراق اعتماده كسفير في بلاده.هذا الأسلوب وهذه اللغة لم تعرفها الدبلوماسية الدولية في تاريخها، ولا نعتقد أن هناك من يقبلها من الشعوب، حتى ولا هؤلاء الذين يرحبون بالدور الأميركي لدعم الحرية والديمقراطية والتغيير . --------- صحيفة البيان الاماراتية في 9 -8 -2005