مصر تتطلع إلى استعادة ذاتها واستعادة وعيها واستعادة وطنية أبنائها من جديد، لا يمكن أن تكون هناك وحدة فى التصور بين كل التيارات السياسية فى كل الأمور، وإنما لابد أن يكون هناك اتفاق يمثل القاسم المشترك الأعظم بين كل القوى السياسية حول القضايا المصيرية التى تشكل الثوابت الوطنية لكل أبناء مصر، والظروف التى تمر بها مصر تحتاج للترفع عن الهوى السياسى والطموحات الشخصية وتضافر الجهود. وجدير بنا ونحن مع كل الشرفاء الذين يتبنون الوعى وسيلة لتحديد أولولويات العمل الوطنى، والحوار وسيلة للتفاهم والوفاق، والسعى وسيلة للتقدم والرقى أن نتفق معًا على الحقائق العشرة التالية: 1. أن ثورة 25 يناير هى ثورة الشعب المصرى كله، ولا يمكن لتيار سياسى واحد أن يحتكرها لنفسه أو أن يدعى أنه وحده من قام بها وخطط لها . 2. أن من حق هذه الثورة أن تحمى نفسها ممن يعوق مسيرتها ويعرقل تحقيق أهدافها. 3. أن من جاءت به الأقدار واختاره الشعب بانتخابات حرة وشفافة ليتولى قيادة المرحلة مهما كان هو، ومن أى فصيل سياسي، عليه أن يحمى هذه الثورة ولا يجوز له أن يفرط فيها أو يترك المجال لثورة مضادة حتى تقضى عليها أو تعبث بها . 4. أن النظام الديموقراطى الذى اختارته مصر وتسعى إليه بخطوات مسددة عبر انتخابات ثلاثة لا يمكن أن يوطن السلطة فى يد فصيل واحد، وإنما يعمل على تداولها، وبالتالى فمن هو فى الرئاسة اليوم يمكن أن يكون فى المعارضة غدًا ومن هو فى المعارضة اليوم يمكن أن يكون فى موقع الرئاسة غدًا، وهذه هى شروط اللعبة الديمقراطية، دوام الحال فيها من المحال، ومن ثم على الجميع أن يعمل بطهارة قلب ونظافة يد واحترام لقوانين اللعبة الديمقراطية، وألا يلوث ممارساته تحت شهوة الطمع فى السلطة وموقع السلطان بالتحالف مع الفلول أو حتى مع قوى الشيطان فى سبيل إقصاء الخصم السياسى، ولو عن طريق الاحتيال والتضليل والتدليس وقلب الحقائق. 5. أن الشعب المصرى يتمتع رغم شيوع الأمية فيه بذكاء فطرى يستطيع به أن يميز بين الصادق والكذوب وأن يفرز أمراض النخبة وأن يكشف حيلها وكيدها السياسى وأن الكلام المعسول فى فضائيات الفلول هو الأكمة بعينها ولحمها وشحمها، ووراء الأكمة ما وراءها، كما جاء فى المثل . 6. أن الممارسات على الأرض تؤكد أن الكثير من مفاصل الدولة ما زالت بأيدى الفلول وأن هناك استمرارًا لتمييع وتضييع القضايا واستنزاف الثورة بغياب العدالة وكثرة الاعتصامات والإضرابات وتعطيل الإنتاج . 7. أن بعض مؤسسات القضاء وبخاصة المحكمة الدستورية مسيسة وتلعب دورًا عكسيًا لمسار الثورة وتعرقل مسيرتها، وبعض أعضائها صرح بذلك وأبان عن توجهه السياسى وعن دوره فى تحريض العسكر على البقاء فى الحكم وعلى الإعلان الدستورى المكمل الذى خول للمجلس العسكرى أن يمسك بكل السلطات فى يديه، الأمر الذى حول مؤسسة الرئاسة والرئيس المنتخب إلى مجرد صورة وعلم ونشيد ومراسم دون أن تملك مجرد اتخاذ قرار بسيط حتى قيل عنه فى ذلك الوقت إنه رئيس منزوع السلطة، أو منزوع "الدسم"، كما كان يحلو لبعض ضيوف الفضائيات أن يتهكم عليه حين يصفه. 8. أثبتت الحقائق فى اللجنة الدستورية لصياغة الدستور أن المواد التى اعترض الأعضاء عليها عدلت جميعها وحدث الوفاق حولها ووقعوا بإمضائهم عليها، ومن ثم كان انسحاب أكثر الذين انسحبوا من اللجنة الدستورية لم يكن إلا لمجرد تعطيل اللجنة وإعاقة عملها وإفشال مشروع الدستور. وأنها عندما اقتربت من الانتهاء من صياغة الدستور بدأ التنمر لها والتربص بها ورفعت دعاوى فى المحكمة الدستورية مطالبة ببطلانها وتسربت أخبار الحكم ببطلانها مسبقا قبل أن يصدر الحكم . 9. أن الشعب المصرى يدرك بحسه الوطنى أن من أساءوا إلى القضاة وباعوا ضمائرهم لا يمثلون القضاء وليسوا ضمير العدالة ويجب أن تتوارى خجلاً أصواتهم القبيحة. 10. أن تحصين قرارات الرئيس والذى جاء فى الإعلان الدستورى وأثار جدلاً وغضبًا هذا التحصين تمتعت به اللجنة العليا للانتخابات، ويتمتع به المجلس الأعلى للقضاء، ويتمتع به النائب العام، ويتمتع به كل قضاة مصر كما ويتمتع به أعضاء المحكمة الدستورية العليا، فلماذا يستكثره البعض على رئيس الجمهورية ولمدة أربعة أشهر على أكثر مدى؟ وفى ظرف عصيب تتعرض فيه الشرعية للاغتيال السياسى ويتعرض فيه الوطن لمؤامرة من فلول الثورة المضادة والمتحالفين معها من بعض قضاة مصر وبعض الإعلاميين وبعض رموز القوى السياسية وكذلك أصحاب رأس المال المنهوب. بعد هذه العشرة الطيبة بالتأكيد سأكون لطيفًا مع السادة القراء ولن أعكر مزاجهم بالإشارة إلى تفاصيل اللقاءات التى تمت خلال هذا الأسبوع واستمرت حتى الفجر بين جماعة "عبدو مشتاق" بعض رموز المعارضة وبين فلول النظام السابق من رجال أعمال وإعلاميين ومتخصصين فى توريد البلطجية لبدء عمليات الندب الإعلامى لتكون بالتزامن مع محاولات اقتحام وزارة الداخلية ومديريات الأمن وحرق مقرات حزب الحرية والعدالة وإثارة العنف والقتل والتدمير لإثارة الفوضى وإسقاط الرئيس المنتخب الذى يصر على استكمال الدستور وإعادة المحاكمات ومحاربة الفساد ورد الأموال والأراضى المنهوبة من الدولة، لن أتعرض لتفاصيل تلك اللقاءات حتى لا أساهم فى زيادة اليأس والإحباط من معارضة نخب فقدت مصداقيتها وحياءها، وفقدت معه حتى حمرة الخجل . مفتى عام القارة الأسترالية Email: [email protected]