تحدث بعض علماء السياسة الشرعية عن ولاية العهد ، ومعني ولاية العهد أن يسمي الخليفة أو حاكم المسلمين من يكون الخليفة من بعده ، وهي مجرد ترشيح لمن يكون الحاكم للمسلمين من بعده ، ورشح أبو بكرالصديق رضي الله عنه من بعده " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه " ، ولكن ولاية العهد – أي تسمية من يكون الحاكم من بعد القائم علي الحكم وعلي أمر المسلمين ، لم يجزها الفقهاء للأبناء أو لم يجيزوا للحاكم أن يلي بالعهد لا بنه ، أي أن يورثه له دون مشورة المسلمين ورضاهم ، وماحدث بعد عصر الخلافة الراشد هو نوع من الكسروية والقيصرية التي لا تقرها قواعد الحكم في الإسلام . والكسروية أو القيصرية نسبة إلي كسري الذي كان يحكم الفرس ، والقيصر الذي كان يحكم الروم ، وهؤلاء وثنيين وأولئك نصاري ، ولكن الإسلام جاء ليجعل الحكم شوري بين المسلمين ، ولتكون الأمة هي التي تختار وتقرر من يحكمها ، وهذا معني قوله تعالي " وأمرهم شوري بينهم " ، أي أن الأمر ، وهو هنا كما نفهم – أمر تقرير من يكون حاكما ً للمسلمين ، فالأمر أي ممارسة السلطة في صورتها الإيجابية وظننا أن الأمر هو معني واسع يدخل فيه كل دعوة إلي الخير وممارسة له ، ولكن قمة الأمر هو اختيار حاكم المسلمين الذي يتولي مسئوليتهم . واجتماع السقيفة الذي اختار المسلمون عقبه " أبو بكر " رضي الله عنه ليكون خليفة المسلمين وحاكمهم هو تعبير عن الشوري وإرساء لأجلي مظاهرها وصورها . ورغم أن هناك إشارات نبوية كثيرة لفضل أبي يكر ، ومنها مثلا أنه هو الذي تقدم لإمامة المسلمين في مرض النبي صلي الله عليه وسلم ، وإمامة الصلاة هي إشارة مركبة لإمامة المسلمين ، حيث كان الإمام هو الخليفة والحاكم المفوض من قبل المسلمين ليؤمهم في الصلاة ويقيم فيهم القسط والعدل . بيد إن النبي " صلي الله عليه وسلم " لم يسمه كإمام أوخليفة من بعده ، حتي لا يحرم المسلمين من أحد أهم حقوقهم وهو اختيارهم لخليفتهم ، واختيارهم للحاكم الذي يحكمهم ويقوم بأمرهم ، وكان اختيار المسلمين لأبي بكر قائما علي اعتبارات مرتبطة بالعلم والعدالة والخبرة . وهذه معايير تعبر عن إرساء لتقاليد جديدة في عالم السياسة والاجتماع في هذا العصر الذي لم يكن يعرف حقاً للناس في اختيار حكامهم . وحين عرض بعض المسلمين علي عمر أن يطرح اسم ابنه ضمن الستة من الصحابة أي أهل الحل والعقد من المسلمين رفض بقوة وقال قولته الشهيرة " بحسب آل الخطاب واحداً منهم يحاسب عن أمة النبي صلي الله عليه وسلم " ، رضي الله عنك يافاروق الذي تعرف بنور قلبك وبصيرتك الفرق بين الحق والباطل . وكان ابنه عبد الله بن عمر كبيرا في الفقه والعلم والسياسة وتقدير الواقع ولكنه رفض أن يكون من بين الستة المرشحين للتباحث حول عملية نقل السلطة للمسلمين بعد طعن عمر رضي الله عنه وأرضاه . عمر الذي أرسي قيمة العدالة في أجلي وأنزه صورها ، فلم يحابي ولم يتفرعن ولم يصله شئ من مال المسلمين ، فكان يشعر بمسئولية عظيمة أوقدها نور بصيرته ، وعظم شعوره الديني " إنها أمانة وإنها خزي وندامة يوم القيامة " فحين هدده " أبو لؤلؤة المجوسي " وقال له لأصنعنك لك رحي تتحدث بها العرب والعجم ، حين طلب منه أن يصنع للمسلمين رحي تدير الهواء فينتفع بها المسلمون ،قال عمر وهو خليفة المسلمين وإمامهم ، لقد توعدني العبد آنفاً ، ولم يضعه في السجن ، ولا أخرجه من المدينة ، ولا حبسه . بل تركه حراً لأنه لا توجد أدلة عليه فهو برئ لا يجوز أن يتعرض له أحد . العدل عنوانه عمر" رضي الله عنه " ، والحرية عنوانها عمر رضي الله عنه ، والمسئولية عنوانها عمر رضي الله عنه ، فهو من قال " لو عثرت بغلة في أرض العراق لسئل عنها عمر بن الخطاب يوم القيامة " ، ونحن اليوم نقرأ برنامج الرئيس مبارك فنجد غياباً تاماً لمرجعية إسلامية لمن كتب هذا البرنامج ، إن قلة دين الحكام وبعدهم عن دينهم يخيفني جداً ويجعلني أخاف من بطشهم ونزواتهم علي شعبنا ، فحاكم بلا شعور ديني عميق يمكن أن يصبح مفترساً ووحشاً أشد خطرا ً علي الناس من الوحوش الكاسرة . ونحن لا زلنا حتي اليوم رافضين وساخطين علي التقاليد التي أرستها الدولة الأموية لأنها لم تكن تعبيراً عن استمرارية التقاليد الإسلامية في الحكم والسلطة ، بل كانت تعبر عن التقاليد الكسروية التي تميل للتوريث ، والتقاليد القيصرية التي تعبر عن عتو السلطة وجبروتها . نحن نتكلم عن القيم الإسلامية في الحكم ، فقيمة " الشوري " هي قيمة حاكمة ، والشوري معناها أن تكون الأمة هي صاحبة القرار الأهم في حياتها وهو القرار المتصل بمن يكون حاكمها ؟ . وميزة القيم الإسلامية أنها ليست تعبيرا عن الممارسة السياسية ولكنها تتغلغل في الحياة كلها لتكون تعبيرا عن الممارسات الاجتماعية والفردية . نحن نرفض التوريث ونرفض التمديد ونرفض الاستبداد بالرأي دون المسلمين والاستبداد بالرأي علي المسلمين بقهرهم وقمعهم . [email protected]