أعربت مصادر وفقهاء قانونيون عن مخاوفهم من أن قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بتحدي سلسلة الأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري ببطلان بعض القرارات التي اتخذتها اللجنة ، وإصرار اللجنة على أن النص المعدل للمادة 76 من الدستور منح قراراتها حصانة من الطعن أمام أي جهة أخرى ، قد يدخل الانتخابات الرئاسية في منطقة " فقدان الشرعية " ، ويعرض البلاد لمواجهة "أزمة دستورية" ، كما سوف يؤدي بالضرورة لحالة من " عدم الاستقرار القانوني " لمركز رئيس الجمهورية القادم ، حيث إن قرار اللجنة يتعارض مع المادة 68 من الدستور التي تنص على عدم تحصين أي قرار إداري من الرقابة القضائية ، مشيرين إلى أن ترزية القوانين التابعين للحزب الوطني يتحملون المسئولية عن ذلك ، حيث إن العديد من الفقرات التي تضمنها النص المعدل للمادة 76 من الدستور تتعارض مع مواد أخرى من الدستور ، فضلا عن تعارضها مع المبادئ التي يقوم عليها الدستور ذاته ، وأضافت أنه حتى في حالة طلب تفسير من المحكمة الدستورية فإن الأمر سيكون بالغ الحرج لأن رئيس المحكمة الدستورية العليا هو الخصم في نفس الوقت ، وكل هذه ظواهر غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث . وأوضحت المصادر أن الأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري وضعت اللجنة في مأزق حاد ، فهي أن طعنت على تلك الأحكام فإنها تكون بذلك قد تخلت عن الحصانة الدستورية التي منحها لها تعديل المادة 76 ، أما الخيار الثاني - الذي اتخذته اللجنة بالفعل - وهو تجاهل هذه الأحكام وعدم الاعتداد بها ، فهو يضع العملية الانتخابية كلها في حالة من عدم الاستقرار ، حيث من المؤكد أن أصحاب الدعاوى سوف يواصلون السير في عملية التقاضي من أجل الحصول على أحكام نهائية ، وهو ما يطعن بالتالي في شرعية الرئيس المنتخب . مصادر سياسية وقانونية استطلعت المصريون رأيها أشارت إلى حالة ما يسمى " عنف مؤسسي " بالتصادم الخطير والعنيد بين مؤسسات الدولة الممثلة لكيانها وشرعيتها ، مضيفة أنه حتى في حالة تمرير الانتخابات بالتجاهل أو القفز فوق أي اعتبارات قانونية أودستورية ، فإن العملية الانتخابية بكاملها تفقد معناها ، لأن شرعية الرئيس القادم ستظل موضع شك ورفض من قبل مؤسسات الدولة والقطاع العريض من قوى المجتمع السياسية ، وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام أزمة شرعية في الفترة المقبلة ، وهو ما أكدته التقارير التي تتحدث عن أن بعض القوى السياسية ترتب لإعلان حكومة بديلة وبرلمان بديل ولجنة لصياغة دستور جديد للبلاد. أضافت المصادر أن قرار اللجنة عدم الاعتداد بالأحكام الأخيرة ، يفتح جبهة جديدة من المواجهة بين الحكومة والهيئات القضائية ، فبالإضافة إلى الجبهة المفتوحة منذ فترة مع القضاء العادي ونادي قضاة مصر ، فإن الحكومة بتجاهلها أحكام قضاء مجلس الدولة سوف تثير غضب هذه الهيئة القضائية ، التي تعد ندا موازيا للقضاء العادي وتليه من حيث عدد القضاة العاملين بها ، ويضاعف من حدة المواجهة المرتقبة أن الأجواء مهيئة بالفعل لذلك ، بعد قرار اللجنة الانتخابات باستبعاد المئات من أعضاء مجلس الدولة من الإشراف على الانتخابات الرئاسية دون مبرر واضح . من جانبه ، أكد الدكتور عبد الحليم مندور أستاذ القانون العام ل"المصريون" أنه لا يجوز للجنة الانتخابات الرئاسية إصدار هذا القرار لأنها مجرد لجنة إدارية ، وتخضع بدورها لمحكمة القضاء الإداري ، مشيرا إلى المادة 68 من الدستور تنص على أنه لا يجوز تحصين أي حكم أو قرار إداري ضد الرقابة القضائية " . وأوضح مندور أن اللجنة ليس من حقها الإشراف على العملية الانتخابية نظرا لأن هذا العمل من اختصاص القضاة وحدهم بموجب المادة 88 من الدستور التي نصت على أن أي إشراف غير قضائي على الانتخابات يبطل هذه الانتخابات " . في السياق ذاته ، اتفق المستشار إبراهيم صالح نائب رئيس محكمة النقض سابقا ، مع الرؤية السابقة ، قائلا إن قرار اللجنة لغو وباطل ولا يعتد به هو ولا يحق للجنة أن تصدر مثل هذا القرار ويتعين عليها اللجوء إلى الطرق القانونية وهي الطعن في هذه الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا أو استفتاء المحكمة الدستورية العليا . وشدد صالح على انحسار الصفة القضائية على أعمال هذه اللجنة ولا يجوز لها أن تدحض حكما قضائيا صادرا من القضاء الإداري. وعلى صعيد المواجهة المفتوحة بين الحكومة ونادي القضاة ، حذرت مصادر قضائية من أن استمرار النظام في التعنت مع الشروط التي وضعها النادي للمشاركة في الإشراف على الانتخابات الرئاسية ، قد يدفعهم إلى إعلان " إبراء ذمة " من نتائج الانتخابات ، على غرار التقرير الذي أصدره نادي القضاة حول أعمال التزوير التي شابت الاستفتاء على تعديل المادة 76 من المادة ، محذرة من إن هذا الإعلان سوف يسحب كثيرا من مشروعية الرئيس الجديد . وأكد المستشار محمود مكي نائب رئيس نادي القضاة أن إعلان القضاة براءتهم من نتائج الانتخابات الرئاسية من شأنه سحب الشرعية من هذه النتائج والتشكيك في صحتها لأن الحكومة عندما شكلت اللجنة العليا للإشراف على الانتخاب وهللت لاستقلالها المالي والإداري إلا أنها لم تستطع ترسيخ الثقة في نفوس الشعب لذا تلجأ إلى الاستعانة برجال القضاء كي تستمد منهم شرعية الانتخابات فالدولة حريصة على الحصول على صك من القضاة بمشروعية الانتخابات. وقال مكي إن حكم محكمة القضاء الإداري بتأييد إشراف المجتمع المدني على الانتخابات هو تأكيد لما طالب به القضاة مرارا ، مشيرا إلى أن ذريعة اللجنة في استبعاد منظمات المجتمع المدني كان ذريعة واهية لأنها أرجعت هذا الإبعاد إلى رغبتها في عدم المساس بالثقة في القضاء في حين أن هذا الإشراف كان مطلبا للقضاة أنفسهم. وعن مزاعم الحكومة بأن القضاة المستبعدين من الإشراف على الانتخابات لهم أراء وتوجهات سياسية وعلاقة ذلك بإمكانية حدوث مذبحة جديدة للقضاة ،أكد مكي أن القضاة يسمعون هذه النغمة منذ 50 سنة وهي أنه كلما ارتفع صوت قاض يطالب بالإصلاح واستقلال القضاء وتنقية قانون السلطة القضائية من أي شائبة أو عيب قانوني ودستوري ، تشكك الحكومة في الدوافع والأهداف وتتهمه بالاشتغال بالسياسة ، فالقاضي من واجبه الدفاع عن استقلال القضاة. وأضاف مكي ساخرا أن الدولة حققت الاستقلال المالي والإداري للجنة العليا للإشراف على الانتخابات بطريقة لم يحصل عليها القضاة أنفسهم في ظل سيطرة الحكومة متمثلة في وزير العدل على مواردهم المالية مما يعني هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والتشريعية وهو ما ظهر واضحا خلال مناقشات تعديل المادة 76 من الدستور. في المقابل ، أبدى المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض ورئيس اللجنة المكلفة بتفعيل قرارات الجمعية العمومية لنادي القضاة تحفظه على استخدام مصطلح " إبراء الذمة " ، مؤكدا أنه مصطلح ثقيل! . وأوضح مكي أن الجمعية العمومية لنادي القضاة طالبت بالتمسك بالشروط المتصلة بسلامة وصحة الانتخابات وأبرزها حق المجتمع المدني في الإشراف على الانتخابات وعدم استبعاد أي قاض . وكشف مكي ل " المصريون " أن الجمعية العمومية لنادي القضاة شكلت لجنة من القضاة لمراقبة وتقييم انتخابات الرئاسة ، تضم كلا من المستشار أحمد مكي رئيسا ومحمود الخضيري رئيس نادي القضاة بالإسكندرية وأحمد البرديسي وأحمد يحيى ويحيى جلال خلف عبد اللاه وناجي دربالة وهشام جنينة وأحمد صابر ، إضافة إلى من ينضم إليهم من المستشارين بالتطوع. وأكد مكي أن حكم محكمة القضاء الإداري بأحقية المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات هو انتصار لنادي القضاة والشفافية والعلانية ، لافتا إلى أن القضاة سوف يتحركون في الفترة المقبلة في مناخ من الحرية لأنهم لا يرتكبون أي مخالفة ونحن أحد سلطات الدولة الثلاث ، ومهمتنا إرساء الحق ولسنا حكوميين أو معارضين أو ثوارا. واستبعد نائب رئيس محكمة النقض وجود مذبحة للقضاة عقب إجراء الانتخابات ، كما توقع قبول الحكومة لإشراف منظمات المجتمع المدني على الانتخابات.