تحت شعار "العالم في خطر"، اجتمع يومه الخميس 23/6/2006 الحائزون على جوائز نوبل في مؤتمرهم الثاني بمدينة البتراء الأردنية برئاسة الأديب الصهيوني "إيلي فيزل"، الذي حاز على جائزة نوبل للسلام في العام 1986 إكراما له على ما بذله من مجهود أدبي في التعريف بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست). وحتى يكون المؤتمر صهيونيا بامتياز، فقد تم استدعاء مسئولين ومثقفين إسرائيليين كبار لحضور أشغاله، والمساهمة في صياغة توصياته. أن يتم عقد مؤتمر ما بحضور صهيوني لافت وبأجندة إسرائيلية واضحة في تل أبيب، أو واشنطن، أو أحد العواصم الأوربية، فهذا أمر مفهوم، لكن أن يعقد في مدينة عربية مسلمة عريقة كالبتراء، وبضيافة وتكاليف عربية، فهذا استفزاز لا يمكن أن يقبل به أي مسلم غيور على عزته وكرامته، سيما في مرحلة كان المفروض فيها مقاطعة كل أشكال التواصل مع الكيان العبري، احتجاجا على إمعانه في قهر وإذلال وإبادة شعبنا العربي المسلم في فلسطينالمحتلة. التوصيات المرتبطة بالشأن الفلسطيني، والتي تضمنها البيان الختامي لمؤتمر البتراء لحائزي جائزة نوبل، قد ترجمت إلى حد بعيد الأجندة الإسرائيلية الحالية، بما يبعث على الاعتقاد بأن شعار المؤتمر الفعلي هو "إسرائيل في خطر"، بدل "العالم في خطر". ويمكن الاستدلال على الحضور القوي لهذه الأجندة بالتوصيتين الرئيسيتين التاليتين: التوصية الأولى تقول: "العمليات الإرهابية الانتحارية جريمة ضد الإنسانية "، وهو ما يمكن اعتباره إدانة صريحة لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، وتناغم كامل مع محاولات "إسرائيل" المستمرة لربط ما تقوم به من جرائم بشعة ضد الفلسطينيين بالحملة الدولية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب. التوصية الثانية تدعو إلى التطبيع المجاني الشامل مع الكيان العبري من خلال مشاركة الحائزين على جوائز نوبل في الجهود التي تبذلها الأوساط التربوية الفلسطينية والإسرائيلية لإعادة النظر ومراجعة المناهج الأكاديمية، وكذا العمل على إقامة منتدى بمشاركة حائزي جوائز نوبل يجمع الهيئات الأهلية الإسرائيلية والفلسطينية من خلال مبادرة شركاء السلام. فإذا كانت التوصية الأولى قد تجاهلت واقع الاحتلال المفروض على الشعب الفلسطيني، وأضفت شرعية قانونية أخلاقية على جرائم الكيان العبري، فإن التوصية الثانية قد دعت إلى ما هو أخطر من ذلك، أي الاستمرار في عملية التطبيع مع هذا الكيان الإجرامي. ولم يكن البيان الختامي وحده الذي عكس الأجندة الإسرائيلية دون سواها، بل كل الجلسات واللقاءات الحوارية التي عقدت على هامش المؤتمر تم تسخيرها لنفس الهدف، بحيث كانت تدور في مجملها حول معاناة المواطنين الإسرائيليين، وخصوصا منهم الأطفال من الهجمات الإرهابية! وكأن أطفال الفلسطينيين يعيشون في النعيم. وعلى جانب آخر كان الترويج، ولأول مرة في بلد عربي، لخطة أولمرت الأحادية الجانب، وتكرار الشروط الإسرائيلية لحماس بالاعتراف بها والتخلي عن المقاومة والالتزام بالاتفاقات السابقة. "إسرائيل"، وبإيجاز، خرجت من هذا المؤتمر منتصرة بما حققته من مكاسب سياسية وإستراتيجية، فيما خرج العرب وكعادتهم بخفي حنين. لذا نتساءل: ماذا قدم مؤتمر البتراء للقضية الفلسطينية من مكاسب حتى يوافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على حضوره، بالرغم من الأوضاع الصعبة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية؟ وما هو سر ذلك العناق الحار الذي استقبل به أبو مازن إيهود أولمرت، وما هي دواعيه؟ وما هو مدى تأثير المجازر الإسرائيلية في رسم سياسة السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن؟ وما هو مغزى الحضور الفلسطيني برمته في ظل العدوان المستمر، والتهديد باجتياح القطاع في كل لحظة؟ وقد كان ثمن كل هذه التنازلات الخطيرة هو وعد إسرائيلي بلقاء قريب بين عباس وأولمرت قد يلغى في أية لحظة. المصدر : العصر