مشكلة القوم في التلفزيون المصري انهم يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، وانهم يتعاملون علي ان الكلام هو البديل عن العمل، وانهم اذا اصبغوا حركاتهم وسكناتهم بلباس الديمقراطية الزائفة، اصبح من حقهم ان يتغنوا بديمقراطيتهم، ويطالبوا الجماهير العريضة بان تشكرهم، لانهم بفضل الفكر الجديد الذي تتبناه لجنة السياسات بالحزب الحاكم، اصبحوا ولله الحمد حماة الديمقراطية ورعاتها في منطقة الشرق الأوسط. لا يجادل احد في ان هناك شخصيات بعينها يحظر ظهورها علي الشاشة الصغيرة، حتي وان قالت ريان يا فجل، وان هناك شخصيات يحظر استضافتها للحديث في قضايا معينة، فالجثة هنا ليس محظورا عليها دخول المبني، وانما المحظور ان تتحدث في هذه القضية او تلك، وهناك قائمة غير مكتوبة يعلم بأمرها القاصي والداني في هذا الصدد، وان من يستغلق عليه الأمر، ليس عليه الا ان يسأل قطاع الأمن في التلفزيون، الذي توحش حتي صار دولة داخل الدولة، عن هل يسري المنع علي هذه الشخصية، ام لا، وفي كثير من الأحيان، فان الإعلامي، يجتهد من تلقاء نفسه، ويبعد عن الشر ويغني له. وقد استمعنا كثيرا عن هذه الشخصية او تلك، التي استضافها إعلامي (مدب)، حتي اذا وصل الضيف الي باب المبني رفض الأمن ولوجه منه، وقيل له ارنا عرض اكتافك. وقد كان برنامج (رئيس التحرير) الذي يقدمه الإعلامي المرموق حمدي قنديل يكسر هذا الحظر، ويستضيف هذه الشخصيات المغضوب عليها، في اطار كسره للكثير من الخطوط الحمراء، وكان من الطبيعي ان يضيق القوم به ذرعا، وتصدر التعليمات من الباب العالي بمنعه، ليصبح الحظر ساريا، ويصبح هناك من بين اهل الفكر من تم تحريم جنة ماسبيرو عليهم، الي يوم يبعثون. وقد أتي علينا حين من الدهر، كنا نعلم المرضي عنهم من المثقفين، بكثرة ظهورهم علي شاشات التليفزيون، وكانت الحكومة تستخدم هذه الشاشات للاحتفاء برجالها، وغواية الآخرين بأن يحذوا حذوهم، وهذا ما يفسر حالة الهيجان التي انتابت فريقا من مثقفي السلطة، لان الفضائيات كسرت هذا الحصار، وقدمت شخصيات أخري، وتعجب نجوم ماسبيرو، لان هناك من يشاركون في برامج هذه القنوات، ويتقاضون أجرا مقابل ذلك، ولانهم اعتادوا ان يدفعوا رشاوي، وهبات، ويقدموا تنازلات من اجل ظهورهم في برامج هذا التليفزيون الشائخ، فقد كادوا ان يتهموا ضيوف الفضائيات بالخيانة العظمي، حسدا من عند أنفسهم. في ظل سياسة قوائم الحظر، اصبح من الطبيعي ألا نجد الأستاذ محمد حسنين هيكل ضيفا في أي برنامج، ولو كان برنامج (الست دي امي)، بينما يحتفي تليفزيون الريادة الإعلامية ولانه رائد بالهاجع والناجع والنائم علي صرصوره، لدرجة اننا نشاهد شخصيات بعينها تتم استضافتها في العديد من البرامج، وأحيانا في وقت واحد، وبعضهم يخرج من أستوديو فيدخل آخر، وينتهي من التسجيل لبرنامج، فيظهر علي الهواء في برنامج آخر. ومن المعلوم ان هيكل من الشخصيات المحرم ظهورها علي شاشة تليفزيون الدولة المصرية، حتي وان تحدث بعيدا عن السياسة، لان القوم في الباب العالي يتصورون العمي، ولا يتصورنه، ربما لانه يكشف حجمهم الطبيعي، عندما تتم المقارنة بين عهد وعهد، من خلال المقارنة بين حال الصحافة في عهدين، وبين قامة هيكل، وصحافة طشة الملوخية. للعلم لست مفتونا بالعهد الناصري، فأنا من الذين يرون ان الإنجازات الكبري في هذا العهد تتضاءل حتي لا تُري بالعين المجردة، بجانب انتهاك كرامة الناس في سجون عبد الناصر. لكن، الضد يظهر حسنة الضد اذا ما قارنا بين هيكل، ورؤساء التحرير الأميين في هذا العهد التليد، والذين صارت كتابة أحدهم لجملة سليمة وغير ركيكة، امر يدفع للابتهاج، ويستحق الكاتب بسببه جائزة احسن عمل صحافي لهذا العام! عموما، هذا ليس هذا موضوعنا، فاذا كنا قد رضينا بالهم، الا ان الهم لم يرض بنا، واذا كنا قد تقبلنا ومن باب العشرة قصة قائمة الشخصيات الممنوعة من الظهور علي شاشات تليفزيون الريادة الإعلامية، الا انه من غير المناسب ان يتم نفي وجودها من الأساس، وبشكل يدفع علي الملل والسأم، وكأنها حلوانة في سلوانة. السيد عبد اللطيف المناوي، ومن أول يوم تولي فيه رئاسة قطاع الأخبار، أثبت انه تلميذ نجيب في مدرسة درية شرف الدين رئيس قطاع الفضائيات، فسيادتها لكي تضمن عدم اقتراب الصحف من رحابها الطاهرة، قامت باستحداث برنامج لرؤساء التحرير يقرأون فيه مقالاتهم، مقابل مكافأة شهرية، رمزية، دراهم معدودات، هم فيها من الزاهدين، وقد نجحت في تأميم الصحف التي يشارك رؤساء تحريرها في هذا البرنامج، وسكتوا عن الفشل الذريع لهذا القطاع في المنافسة، حتي أصبحت الفضائية المصرية مسخرة بجانب الفضائيات الأخري، وان كانت تبدو عملاقة إذا ما قورنت بالفضائية الليبية الجبارة. المناوي ادخل بعض المسؤولين في الصحف السيارة ضمن زمرة الضيوف المستديمين، سواء في البرامج التي يقدمها ، او تلك التي يقدمها غيره، ومن هنا امن مكرهم، بل واصبح يتم تقديمه علي انه فاتح عكا، وانه فعل في القطاع مالم يفعله الاوائل، واستحق ان نقيم له حفلة زار، ابتهاجا بعهده الجديد، مع ان كل إنجازاته يمكن حصرها في العناية بديكور برامجه، وأيضا في تغيير الموسيقي التصويرية لبرنامج ( صباح الخير يا مصر)! احدي الصحف حاورت المناوي وقد نفي موضوع قائمة المغضوب عليهم، وقال: (لا احد ممنوع من الظهور علي شاشاتنا)، ونعلم ويعلم الجنين في بطن امه - والذي قالوا انه يؤيد الرئيس مبارك ان ما قاله جناب المناوي ليس صحيحا، واذا كان لا يعلم فعليه ان يجرب باستضافة الأستاذ محمد حسنين هيكل، او فهمي هويدي مثلا، ليس مرة واحدة، وعلي طريقة علقة تفوت ولا أحد يموت، وانما بالشكل الذي يتعامل به مع الرؤساء الجديد للمؤسسات الصحافية، وانا علي ثقة من انه سيتم نفيه الي سيلان، وهي الجزيرة الهندية التي نفي الاحتلال الإنكليزي الزعيم سعد زغلول اليها. في الواقع فان المناوي لم يفتح صدره علي آخره (كناية عن الشجاعة) فالرجل بعد ان نفي ان يكون هناك احد ممنوع من الظهور علي (شاشاتنا) اردف: (طالما التزم بالمحددات والسياسات العامة)، وعلي الرغم من انني افهمها وهي طائرة (كناية عن حدة الذكاء) الا انني لم اعرف المقصود بالمحددات والسياسات العامة هذه، والتي من الواضح انها من اللوح المحفوظ الذي يحتفظ به في درج مكتبه. لن اجتهد في فهم المقصود بالمحددات والسياسات العامة، لانني لست مؤهلا للاجتهاد، ولانني من حزب أعداء النجاح، وعليه فقط اقول ان المقصود بالمحددات والسياسات العامة هو ان يستضيف ( الهتيفة) كما جري عقب الانتخابات الرئاسية وقبلها، ليشيدوا بعظمة التجربة المصرية التعددية والتي قالوا انها تستحق التصدير للخارج، وكان من الواضح ان ضيوفه في حالة سكر بين، من فرط الوجد، وقد انشد احد المتصوفة قديما: حب الحبيب قد أسكرني، وهل رأيت محبا غير سكران. وهؤلاء واقعون في دباديب السلطة الحاكمة، وعليه نظروا الي تجربة الانتخابات المصرية بالشكل التعددي كما لو كانت الأولي من نوعها في المنطقة العربية، مع ان تونس واليمن سبقتا مصر فيها، فهي تجربة مسروقة، مع احترامنا لكل المقامات! دعك من موشح المحددات والسياسات العامة، فأغرب ما في هذا الحوار انه جاء علي طريقة: اين ترعرعت سيدتي الجميلة. وأسئلته ذكرتني بأسئلة مذيع يعمل في التليفزيون العراقي، عندما جاء ليحاورني قبل ان تلقي الحرب العراقية الإيرانية أوزارها حيث انتفخ وتمدد، حتي قلت: ربنا يستر، مخافة ان يسألني سؤالا عويصا، فيكشف جهلي امام المشاهدين، لكنه بعد انتفخ وتمدد ونظر الي شزرا قال: ما رأيك في النظام الإيراني الخائن والعميل؟ وقد أفهمته ان عليه ان يسألني عن رأيي في النظام الإيراني، وانا اقول الخائن والعميل، وبعد أن ابدي تفهمه لوجهة نظري، وعدنا مرة أخري الي التسجيل، انتفخ ثانية وتمدد وسألني عن رأيي في النظام الإيراني الخائن والعميل. فنوعية الحوار الذي اجري مع المناوي، من نوعية هذا الحوار، والذي يحمل السؤال الإجابة عليه، فقد كانت نوعية الأسئلة العبقرية الموجهة اليه تسير علي منوال هذا السؤال التحفة: (البعض اعتقد انك جئت من اجل المشاركة في حملة انتخابات الرئيس مبارك لكن الواقع يقول انك شاركت في حملة 10 مرشحين لانتخابات الرئاسة).. صلاة النبي احسن! وهناك سؤال عبقري آخر: منذ توليك رئاسة القطاع لم نعد نسمع عن ظاهرة المستبعدين والمضطهدين.. لماذا؟! لا اعلم ما اذا كانت حرم رئيس القطاع رولا خرسا قد حصلت علي مزايا بعد ان تولي زوجها الحكم في ماسبيرو ام لا، لكن هناك من يقول انها استفادت بمجيئه، وعليه كان ينبغي ان يكون السؤال عن هذا الذي يتردد، لكن من حاور عبد اللطيف القي السؤال بشكل يوحي بأنها باتت مكسورة الجناح، ومهيضة الجانب في عهده، وكان طبيعيا والسؤال علي هذا النحو ان يبدأ الجواب بقوله: انا لم اظلمها! دعك من الأمور العائلية هذه، فمن الواضح ان هناك محاولة لاحداث نجاح بالسحر، وقد قيل في هذا الصدد ان الزن علي الاذان امر من السحر، وعليه فهم يعيدون ويزيدون في التحول الذي جري لتليفزيون الريادة الإعلامية، وبالذات في عهد المناوي، الذي يتم تقديمه علي انه وزير الإعلام، وليس مجرد رئيس قطاع، وكأنه واضع سياسة التحول ومنفذها، صحيح ان وزير الإعلام انس الفقي ليس له في العير ولا في النفير، لكن من الظلم ان يكون رئيس قطاع الأخبار هو من يضع السياسات ويرعاها وينفذها، ومن الظلم الافدح ان يدفعونا الي تصور ان هناك تحولا جري علي الشاشات الصغيرة، مع انه لم يكن بين الحجون الي الصفا أنيس، ولم يسمر بمكة سامر. ارض جو بعد الاعتداء الغاشم علي المخرج مجدي زكريا بالقناة الثالثة من قبل احد فيالق قطاع الامن، نطالب الأممالمتحدة بحماية الإعلاميين بماسبيرو من البطش الامني. برنامج (مصوراتي) الذي تذيعه قناة الدراما المصرية، هل هو برنامج إعلاني مدفوع الاجر؟! لماذا لا يعود حمدي قنديل الي التليفزيون المصري، مع انهم يقولون اننا نعيش ازهي عصور الديمقراطية؟! كاتب وصحافي من مصر [email protected] ---------------------------------------------------- القدس العربي 2005/09/26