جمال سلطان سألني زميل صحفي كان يعد تحقيقا حول ما أسماه " أول حزب قبطي " ويفترض حسب ما فهمته منه أن يتقدم به الأستاذ ممدوح نخلة المحامي ، وقال أنه سيضم بين أعضائه قرابة مائة مسلم ، وأن له مطالب حقوقية كذا وكذا ، السؤال الذي طرحه الزميل هو : هل تعتقد أن التقدم بمثل هذا الحزب هو محاولة لقطع الطريق على قبول تأسيس أحزاب إسلامية ، كان الجواب قطعيا وفي الحال ، أنه لا صلة بين الأمرين ، لأن أي حزب يتقدم فلا بد من أن يكون له مشروع سياسي متكامل ، يحمي وحدة الوطن وقواسمه المشتركة قبل كل شيئ ، وطالما أن الحزب مدني ، وله مشروعه السياسي ، فلا بأس أن تكون أغلبية أعضائه من المسلمين أو من المسيحيين ، كما لا يضره في شيئ أن يكون مؤسسوه متدينين أو علمانيين ، المهم المشروع السياسي الذي يحمل في جوهره وحدة الوطن ، ومن هذا المنطلق فلا أرى أي بأس أن يتقدم ممدوح نخلة أو غيره بمشروع حزب سياسي ، وإذا صح القول بأنه يضم بين أعضائه مسلمون فهذا يعني أن الرجل يعتبر نفسه حزبا سياسيا مدنيا وليس دينيا ، ويبقى أن يبرهن مشروعه السياسي على جديته وبعده عن الطائفية والتطرف ، صحيح أن بعض الأطروحات التي يروج لها ممدوح نخلة هي بالقطع طائفية ، كما أن بعض الرسائل التي يحيلها إلى أكثر من جهة تحتوي على عنف وعصبية وتطرف مخيف ، وقد قرأت بعضها بنفسي ، ولكن في النهاية نحن ملزمون بخطابه السياسي العلني والمسؤول ، والحقيقة أني لا أبرئ بعض الجهود التي تسير في هذا الاتجاه من شبهة الابتزاز وعدم الجدية ، لما يحتف بالخطاب العام لهؤلاء الموسوم بالطائفية والتطرف ، إن كل ما يشغله هو هموم طائفته وليس هموم الوطن ، كما أنه يتصور أنه بالاستقواء بقوى أجنبية يمكن أن يعينه ذلك على انتزاع مصالح طائفية من الأغلبية ، وهذا خطير للغاية ، ليس على وحدة الوطن وحده ، ولكن حتى على مصالح طائفته ووجودها ذاته ، إن الكثير من المصالح الاقتصادية والاجتماعية الضخمة التي حققتها أسر قبطية بجهدها وعرقها في ظل وطن ودود وشعب هو بطبيعته يسع الدنيا كلها وليس طائفة وحسب ، هذه المصالح تصبح بفعل هذا التهييج مهددة فعليا وليس مزاحا ، ولا داعي للتفصيل ، كما أن الوجود القبطي في مصر له طبيعة خاصة ، لأنه مبسوط عبر أراضيها مع الوجود المسلم ذاته ، في المدينة الواحدة والحي الواحد والشارع الواحد والبيت الواحد أيضا ، نسيج واحد حقيقي ، بدون تحيزات جغرافية مثل دول أخرى ، ورغم النفخ المتوالي لبعض أصحاب المصالح " الخاصة " من أقباط الخارج في تهييج الوضع القبطي في الداخل ، إلا أن تلك الجهود لم تحقق سوى نجاحات جزئية وهامشية ولها طابع سياسي ونخبوي ، ولم تصل ولن تصل إلى جذر المجتمع ، إن هناك ملايين من أقباط مصر مع ملايين أخرى من مسلميها يعانون الفقر والحرمان وهامشية الحياة ، تراهم في العديد من أحياء مصر الشعبية ، يتعاونون على مرارة الحياة ، وأحيانا ينحرفون من مرارتها ، وكم من مرة تقرأ عن عصابة للسرقة بالإكراه أو سرقات المساكن وأعضاؤها مسلمون وأقباط ، هؤلاء البائسون يحتاجون إلى من يحقق لهم جميعا الكرامة الآدمية ، وليس من يتاجر باسمهم في الخارج ويرتع في ملايين الدولارات باسم حقوق الأقباط ، بينما هم هنا يعانون شظف الحياة ، ومرارة الحرمان . [email protected]