دخلت العلاقة بين الحكومة والإخوان المسلمين فصلا جديدا من فصول الصدام و التوتر ، بعد ظهور مؤشرات تؤكد عزم الحكومة حظر ترشح نحو مئة عضو من قادة وكوادر الجماعة لانتخابات مجلس الشعب ، كانوا قد حوكموا أمام محاكم عسكرية ، وصدرت ضدهم أحكام بالحبس تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات بين عامي 1995 إلى 2000 فيما عرف بقضايا أساتذة الجامعات والنقابيين وحزب الوسط . الحكومة بررت موقفها بأن صدور الأحكام من المحاكم العسكرية العليا يفقد المحكوم عليهم الأهلية السياسية ، ويبطل حقهم في الترشيح للمجالس البرلمانية المختلفة خصوصا وأن معظم المئة الذين صدرت ضدهم الأحكام الجنائية لم يتخذوا الإجراءات اللازمة لرد اعتبارهم حتى يتمكنوا من خوض الانتخابات . من بين الشخصيات التي يسري عليها هذه الأحكام : المرشد العام محمد مهدي عاكف ونائبه محمد حبيب والدكتور عصام العريان والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور مدحت الحداد ومحمود غزلان ومحمد ربيع وغيرهم . وكثير من هذه الشخصيات تتمتع بالخبرة السياسية والبرلمانية وسبق له خوض معارك سياسية مع النظام . وحسب مصادر سياسية مطلعة فإن الحكومة تحاول عبر هذه الخطوة توجيه ضربة قاسية للجماعة وإفشال خططها الساعية لمضاعفة تمثيلها في البرلمان القادم . خصوصا أن هذه الكوادر تحظى بشعبية كبيرة في الشارع المصري وستجد الحكومة صعوبة في إسقاطها أو تزوير الانتخابات فيما يضعها في حرج شديد سواء أمام الرأي العام المحلي أو العالمي ، بعد تعهد القيادة السياسية بضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة . ويتوقع المراقبون أن يدخل الإخوان في مواجهة قانونية مع الحكومة أمام مجلس الدولة في ظل تأكيد قيادات في الجماعة بأن اللجوء إلى القضاء الإداري سيكون السبيل الوحيد أمام الجماعة للطعن في القرارات الإدارية التي ستصدرها لجنة الانتخابات مستندة إلى أن أحكام القضاء العسكري لا تفقد الشخص الأهلية السياسية ولا تزيد عن كونها قرارات اعتقال وأحكامها ليست قضائية كونها أصدرتها محكمة شكلت بقرار إداري من وزير الدفاع ولا يجوز الطعن عليها وليس لأعضاء المحاكمة أي حصانة سياسية أو قضائية بل يجوز عزلهم وإحالتهم إلى المعاش بقرار إداري . "المصريون" استطلعت آراء عدد من القانونيين حول هذا الموضوع وسألتهم عن مدى قانونية حظر ترشيح الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام عسكرية . الدكتور عبد الحليم مندور الفقية القانوني المعروف أكد من جانبه صحة القرار من الناحية القانونية البحتة ، وقال إن هناك نصوصا قانونية تحظر ترشيح أي شخص حوكم أمام محكمة عسكرية عليا للمجالس النيابية ، وكذلك يفقده أهلية للعمل العام ، إلا إذا اعتبرت هذه الجريمة سياسية غير ماسة بالشرف . وأضاف: لكننا الآن أمام وضع مختلف فالمحكمة العسكرية العليا تعد محكمة جنائية من الدرجة الأولى وأحكامها في هذا الوضع تسقط الأهلية السياسية للشخص ما لم يتقدم بطلب رد الاعتبار بعد خمس سنوات إذا كانت جنحة وعشر سنوات إذا كانت جناية وهو ما لم يقم به كوادر الجماعة . ونبه الدكتور مندور إلى أن الحكومة تنظر إلى هذه الحالات باعتبارها جرائم جنائية ماسة بالشرف ، ومن ثم فالمتوقع إلى حد كبير أن تحظر لجنة الانتخابات ترشيح هؤلاء للانتخابات مجلس الشعب القادمة ، وليس أمام الجماعة إلا اللجوء إلى محكمة القضاء الإداري للطعن في هذه القرارات والاستناد إلى بطلان سياسة المحاكمات العسكرية التي قدم إليها كوادر الجماعة وبالتالي عدم قانونية القرارات الإدارية . و يتفق مع هذا الرأي المستشار محمد موسى رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وأكد على أن هناك شروطا يجب توفرها في المتقدم للترشيح ، ومنها ألا يكون قد حوكم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره . وفي الوضع الذي نحن بصدده -كما يوضح موسى- فالمحاكم العسكرية العليا تعد جناية في كل الأحوال ، ومن ثم فهؤلاء الأشخاص ليست لديهم الأهلية السياسية للترشيح كونهم لم يتقدموا بطلبات رد اعتبار ، وبالتالي فان حظر ترشيح هؤلاء سليم قانونا ، لأن الأحكام الصادرة من هذه المحكمة التي حوكموا فيها بقرار من رئيس الجمهورية تعد أحكاما مخلة بالشرف ويعد عائقا أمام المحكوم عليه لشغل مناصب سياسية وبرلمانية . في المقابل قدم الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة رأيا مخالفا للآراء السابقة . فقد أكد صدور أحكام من محكمة النقض تعتبر أن أحكام المحاكم العسكرية لا يترتب عليها الحرمان من حق من الحقوق الأهلية السياسية ، لأن هذا الحرمان يشترط أن تكون الأحكام صادرة من القضاء الطبيعي بحسب المادة 68 من الدستور ، التي يؤكد حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي . وقال البنا إن المحاكم العسكرية ليست قضاء حقيقيا وغير مشكلة من قضاة ، بل تتكون هيئاتها من ضباط عسكريين قابلين للعزل ، كما أن أحكامهم ليس قابلة للطعن أمام محاكم أعلى . وأوضح البنا أن على كوادر جماعة الإخوان الذين حوكموا أمام القضاء العسكري ، اللجوء إلى المحكمة الإدارية العليا للطعن في أي قرارات تحظر ترشحيهم نافيا حاجة هؤلاء للتقدم بطلبات رد الاعتبار فالأحكام الصادرة ضدهم من محكمة عسكرية مخالفة للدستور والقانون ولا يترتب عليها أي آثار سياسية . إلى ذلك جاء موقف الإخوان المسلمين قريبا من كلام البنا ، وقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد أن الأحكام العسكرية الصادرة ضد 100 من أعضاء الجماعة لا تزيد عن كونها قرارات اعتقال وليست أحكاما قضائية . فقد أصدرتها محكمة عسكرية معينة من وزير الدفاع وليست محاكم قضائية ، وبالتالي فما يصدر عنها من قرارات لا يكون إلا شكلا من أشكال الاعتقال الإداري لا يترتب عليه حرمان من الحقوق السياسية أو المدنية ، سواء الإدلاء بالتصويت أو الترشيح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية . وأبدى أبو الفتوح دهشته من حديث بعض الدوائر الحكومية عن ضرورة تقديم كوادر الإخوان بطلب رد الاعتبار متسائلا: هل قرار الاعتقال السياسي يوجب التقدم بقرار رد اعتبار ؟ .. فهذه ليست جناية أو جريمة مخلة بالشرف حتى يتقدم بها الطلب . وأوضح الدكتور أبو الفتوح أن كثيرين من كوادر الجماعة الذين حوكموا أمام محاكم عسكرية لديهم النية للترشيح ، وفي حالة عدم موافقة لجنة الانتخابات على ترشيحهم فليس أمامهم إلا اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في قرارات اللجنة . ونفى أبو الفتوح عزمه الترشيح للانتخابات مجلس الشعب بالتأكيد على أن موقفه بعد دخوله الحياة السياسية عام 1976 واضح من هذه المسألة خصوصا أن هناك ممارسات داخل المجلس لا يستطيع التجاوب معها .