سبحان من أودع الرحمة في القلوب فجعلها تحنو علي كل ضعيف وتفيض خيراً بغير غرض أو مصلحة. تلك القلوب الرحيمة الحانية يقدر الله لها الخير من حيث لا تدري ولا تحتسب ويجعل لها من كل ضيق فرجاً ومخرجاً. ومن المفارقات الغريبة أن تكون واحدة من أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الطاهرة والفطرة النقية امرأة فرعون موسي ، وذلك الملك الجاحد المتغطرس المتكبر الذي ذكره الله سبحانه وتعالي في أكثر من موضع من القرآن الكريم والذي صار اسمه علماً علي قسوة القلب وانتكاس الفطرة وتوحش الإنسانية. عندما ألقت أم موسي رضيعها في اليم استجابة للوحي الإلهي لحمايته من بطش فرعون ألق به الموج عند قصر الفرعون ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) القصص 8 وهنا رق قلب امرأة فرعون لمرأى الوليد وأحست به قريباً من نفسها الطاهرة وتقدمت إلي فرعون وهي تستجديه وتسترضيه ليترك لها الوليد لتربيه وتتخذه ولداً. ( وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) القصص 9 وجعلها الله سبباً لنجاة نبيه ورسوله موسي عليه السلام واحتضنته وبدأت تبحث له عن مرضع حتى تقدمت أمه وشاء الله أن يجمعها بوليدها. ( فرددناه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون ) القصص 13 وتربي موسي في قصر الفرعون وتحت رعاية القلب الرحيم الذي انتشلته من الغرق وافتده من القتل حتى أرسله الله نبياً لبني إسرائيل ( ولما بلغ أشده وأستوي آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين ) القصص 14 ثم اكتملت أركان القصة الخالدة ، قصة الصراع بين الخير والشر وحمل فرعون لواء الشر والبطش والتنكيل بإتباع النبي وفي وسط المعركة الشرسة التي ظل لهيبها يتصاعد كل يوم إنجازات امرأة فرعون إلي جانب الخير وآمنت برب موسي وهارون وتحملت عذاب الفرعون وبطشه وناجت ربها في وسط ذلك الجحيم. ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) التحريم 11 ضرب الله مثلاً للمؤمنين جميعاً ، امرأة فرعون ، التي شاء قدرها أن تكون مثل زهرة الشوك تنبت وتزدهر وسط الأشواك ، ضرب الله بها المثل من الإيمان والصبر ، وهنا قمة المساواة بين الجنسين أمام الله عز وجل فلم يمنع امرأة فرعون كونها أنثي أن تصير مثلاً وقدوة للذين آمنوا ، ولم ينفع فرعون كونه رجلاً من أن ينال جزاء كفره وعصيانه لأن المقياس الوحيد هو الإيمان والعمل الصالح. وعرفت امرأة فرعون حقيقة الحياة وكشفت الحجب عن عينيها فأدارت ظهرها للدنيا ونظرت لمقعدها ومقامها عند ربها وابتهلت إلي الله أن ينجيها من فرعون وعمله والقوم الطاغين ( إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) فاستجاب الله دعاءها وخلد ذكرها في قرآن يتلى لتكون قصتها عظة وعبرة ، فمهما كان المكان الذي تبدأ منه حتى لو كان عقر دار الظالمين ومقر الطغاة فمن الممكن إذ حسن العمل وخلصت النية أن يسمو بك إيمانك ويصل إلي أعلي مراتب الصالحين والأبرار من أهل الجنة. [email protected]