إنها المرة الأولى التى يحضر فيها رئيس مصرى احتفالاً فى تركيا بحجم المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ربما أيضًا المرة الأولى التى يتحدث فيها رئيس لمصر وسط حشود هائلة من الشعب التركى ومن قلب عاصمة الخلافة العثمانية "اسطنبول" وبلغة إسلامية تضمنت بعض الآيات القرآنية. قوبلت استشهادات مرسى الدينية بتصفيق هائل كلما كان المترجم إلى اللغة التركية يعيدها. لكن البعض فى مصر من النخبة الفاسدة يتخيل أن الأفكار القديمة التى يعتنقها مازالت موجودة وأن ليبراليتهم الزائفة التى تماثل علمانية تركيا قبل أن يحكمها رجب طيب أردوغان، هي المنقذ والسبيل. هذا البعض هاجم الزيارة واعتبرها حلفًا تركيًا مصريًا يمهد لخلافة عثمانية جديدة..! الكراهية تطمس الحقيقة، والحقد يزرع الشوك ولا يرى إلا فى الظلام، ولذلك فقد صار أردوغان هدفًا لقصفهم الإعلامي لأنه استقبل مرسى وتعهد بدعم مصر وقدّمَه ليخطب بعده مباشرة، ولأن الناس هناك صفقت كلما سمعت من الرئيس المصرى آية قرآنية. قالوا: "اتلم المتعوس على خايب الرجا". إنهم هم المتاعيس المتفرغون للكلام وصناعة المؤامرات، لكن ورقة التوت تنسل عنهم يومًا بيوم لتكشف سوءاتهم. ذهبت إلى تركيا مرات عندما كانت تئن تحت شخير الليبرالية المتحالفة مع الجنرالات وكنت أتحسر من قائدة دولة الخلافة التى كانت يومًا عظمى ثم تهاوت إلى الدرك الأسفل من الفقر والأمراض والرقيق الأبيض والضلال والتسول. زرتها بعد سنوات من تولى العدالة والتنمية فشعرت أن الزمن الجميل يعود لهذه البلاد وأن الطغمة العلمانية التى جثمت طويلا على أنفاسها لم تحرك الإسلام من مكانه المستقر فى القلوب والعقول، فقد عادت عملاقة اقتصاديًا واجتماعيًا وإقليميًا، وصعدت بقوة صناعيًا وفكريًا وفى مجال الحريات الشخصية والعامة دون أن تصطدم بهويتها. العلمانيون عندنا لا يتعلمون. فكما تحتفظ بلادنا بمن يعتقدون أن الناصرية هى الحل رغم أنها أغرقتنا فى الأوحال، فهناك كذلك من يعتقد أن الاتحاد السوفيتي مازال حيًا يرزق وأن برجنيف بعث من قبره وتعاليم ستالين ولينين يقرأها الناس صباح مساء! قمة التخلف والجهل. هؤلاء تنتفخ قلوبهم بمرارة الفشل فلا يريدون للمجتمع أن يعود إلى نفسه وهويته. يرمون مرسي بكل ما لديهم لا لشيء سوى أنه يقرأ القرآن ويصلي في المساجد. وعندما وجدوا أن ذلك لم يؤثر في الشعب وانقلب إلى تأييد للرجل، راحوا يتحدثون عن الإجراءات الأمنية المكثفة التي تمنع بعض المصلين من الدخول. كأنهم يريدون من رئيس الجمهورية في بلد مَترع بالمؤامرات والدسائس أن يصلي فى الهواء الطلق ويفتح صدره للذين يرغبون فى وأد أحلام الديمقراطية وما أكثرهم. [email protected]