رغبة الرئيس محمد مرسى فى مصالحة وطنية شاملة، وجلوسه مع الفنانين والمثقفين العلمانيين واليساريين، تسببت فى غضب بعض أطياف التيار الإسلامى منه، واعتبروه تجاهلاً لمن ناصره ووقف مؤيدًا ومؤازرًا، ومنهم من غامر بمصالحه. ربما لا يكون ذلك مقصودًا من مستشارى الرئيس باعتبار أن الأنصار والمؤيدين يقفون فى النهاية مع الصالح العام، الذى يحتم طمأنة المعارضين وتحييد بعضهم فى مرحلة البناء الحالية، التى يحتاج خلالها مرسى إلى دعم الجميع. الإسلاميون الغاضبون لهم مبرراتهم المنطقية، فهم جزء أصيل من الثقافة المصرية لا ينبغى للعهد الجديد المنتمى إليهم أن يتجاهله إلى حد إخراجه من زمرة المثقفين، وهو ما ظهر فى اللقاء المثير للجدل، والذى يؤكد أن السيطرة اليسارية والعلمانية على صناعة القرار فى وزارة الثقافة وهيئاتها ما زالت قوية راسخة قادرة على استئصال المخالفين، والدليل اختيارات وزير الثقافة صابر عرب للعينات التى قابلت الرئيس، وهى عينات لا تستبعد فقط ذا التوجه الإسلامى، بل الوطنى المحايد الذى لا ينتمى لأى تيار.. كما أنه ركز على اختيار الخصوم لا المعارضين، ومن هنا رأينا بعضهم يستهين بالرئيس ويرفض لقاءه مثل جمال الغيطانى، وبهاء طاهر، ويوسف القعيد، الذى ما زال يذكر بامتنان حتى ساعته وتاريخه أن مبارك طبطب على كتفه بحنو بالغ! وطبعًا هناك فرق بين الخصومة والمعارضة.. الخصام لا علاج منه، والمعارضة حق أصيل للجميع وبدونها يعوج الحكام. المصالحة الوطنية أمر رائع إذا جاءت مع معارضين وطنيين.. ولكنها تسقط هيبة الحكم إذا انحازت للخصوم وتنازلت عن قيم ومبادئ أساسية انتخب من أجلها مرسى.. ومن هنا يغضب الذين أيدوه ووقفوا وراءه أن يستهين بهم الآن رغم أنه لولاهم ما وصل إلى الحكم، وجماعة الإخوان وحدها لم تكن تضمن له ذلك، سيما فى ظل فارق الاثنين بالمائة بينه وبين أحمد شفيق.. ومن ثم فالخطر أن يولوا وجوههم عنه ويتخلوا عن تأييده، وحينها لن يفيده الخصوم الذين يكابرون ويرفضون حتى الآن اعتباره رئيسًا فينادونه باسمه مجردًا تارة وبالدكتور تارة أخرى، وعليه أن يقرأ قصة الرئيس السودانى البشير مع الدكتور حسن الترابى، وماذا حصل للأول وللسودان كدولة واحدة عندما انفض هذا التحالف. ومع ذلك فالخطر الأكبر على مرسى أن يتنازل إلى حد الإقرار بعلمانية مصر وقبولها كأمر واقع واتخاذها مادة أساسية للتقرب إلى الخصوم واليساريين والعلمانيين.. لا يوجد أى نظام حكم مصر حتى الآن أقر بعلمانية مصر، لا مبارك ولا أسلافه ولا أى ملك من الذين جلسوا على عرشها قبل ثورة 1952. وحده مرسى الذى نسب إليه ذلك حسب ما أوردته وكالة الأسوشيتدبرس أمس، للقائه مع الوفد التجارى الأمريكى الضخم الذى زار مصر، حيث قال أحمد غانم، مدير إحدى الشركات الأمريكية المشاركة، إن مرسى تعهد بالإبقاء على مصر دولة علمانية. لا أذكر أن مبارك أو عبد الناصر أو نجيب أو فاروق وصولاً إلى محمد على اعتبر مصر "علمانية"، وقد ظل اللفظ سىء السمعة لا يقترب منه أحد حتى هذه اللحظة التى نسبت فيها إلى الرئيس المنحدر من جماعة الإخوان المسلمين. وقد رأينا كيف ثارت ثائرة الجماعة على رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، عندما قالها خلال زيارته لمصر بعد الثورة، مما طبعت استقبالها له بالفتور الشديد. فهل قالها مرسى حقًا.. وهل يعنى ذلك أن مصر تتحول فى عهده من دولة إسلامية إلى دولة علمانية، وأنه يظفر بتأييد جماعته، أم أن الأمر سيتحول لاحقًا إلى حالة البشير والترابى؟!. [email protected]