جمال سلطان نقرأ ونسمع ونعايش هذه الأيام ما لا يمكن تصوره من قرارات وأفعال وسلوكيات ، أفظعها بطبيعة الحال ما يكون متعلقا بمؤسسات لها في القلوب هيبة ، وفي النفوس مكانة متميزة ، كمؤسسة القضاء ، الناس ما زالت مذهولة من قرار النائب العام الذي برأ فيه عبارة ممدوح إسماعيل من المسؤولية الجنائية عن مقتل أكثر من ألف نفس بريئة ، واعتبر أن العبارة سليمة مائة في المائة وأنه ليس فيها شيئ معطل وأجهزة الأمان كلها سليمة ، في حين أن التقارير الرسمية الأخرى وشهادات الخبراء والمعاينة أثبتت أنها مهترئة ومعظم أجهزة السلامة فيها معطلة وأدواتها منتهية الصلاحية وأنه تم ضبط عمليات تزوير في بيانات الصلاحية ، وما زال السيد النائب العام يلزم الصمت تجاه هذه القضية الخطيرة ، والتي لا نملك أمامها إلا أن نقف متفرجين يملؤنا الذهول مما يحدث للعدالة في بلادنا ، لم نكد نفيق من كارثة قرار اتهام ممدوح إسماعيل حتى أفقنا على صدور قرار من النائب العام بإحالة الصحفيين وائل الإبراشي رئيس التحرير التنفيذي لصوت الأمة وهدي أبو بكر المحررة بالجريدة وعبد الحكيم الشامي مدير تحرير جريدة آفاق عربية ، إلى الجنايات لأنهم نشروا وقائع التزوير في انتخابات بندر المنصورة بما مس القاضي رئيس اللجنة ، والشيء المذهل أن أحدا لم يعلن حتى الآن الحقيقة في وقائع هذه القضية الأصيلة ، قضية التزوير وهي التي تكلم فيها الجميع وكانت الفضيحة فيها نوع من الفجور ، عيني عينك ، فبدا الأمر كما لو كانت مصر تحاكم من كشف التزوير ولكنها لا تحاكم المزور نفسه ولا تعلن نتائج التحقيق معه ، في الأسابيع الماضية صدر حكم مثير للدهشة ضد مطرب مزور تم ضبطه يحاول الخروج من المطار بوثائق مزورة ، واعترف وأدانه الشهود والوثائق التي تم ضبطها ، الحكم انتهى إلى سجن المطرب ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، يعني في المحصلة العملية براءة ، الناس المذهولة انتظرت قراءة حيثيات الحكم لمعرفة هذا اللغز ، خاصة وأنها قارنت ما حدث مع ما حدث لرئيس حزب الغد أيمن نور الذي سجن خمس سنوات مشددة في واقعة أخف من ذلك كثيرا ، الحيثيات التي نشرت أول أمس تقول أن المحكمة راعت في حكمها صغر سن المتهم والحرص على مستقبله ، أي والله ، رغم أن تامر حسني ليس طالبا في المرحلة الإعدادية أو الثانوية العامة مثلا ، وإنما هو على أبواب الكهولة ويتم عامه الثلاثين بعد شهرين أو ثلاثة ، ورجل مليونير يدفع أموالا طائلة لشراء شهادات مزورة ويمكن أن يدفع أكثر منها لتخليص مواقف أهم وأخطر ، فهو صاحب بيزنس فني كبير وحفلات داخل مصر وخارجها وشبكة علاقات مع أمراء ووزراء ومسؤولين كبار في الدولة والخليج العربي ، فاعتبار أن مثل هذا "صبي" غرر به ويستحق أن نراعي صغر سنه وقلة خبرته والخوف على مستقبله ، فالأمر يكون مشكلا ، على مثلي على الأقل ، نفس هذه الصيغة تكررت أول أمس في واقعة أخرى مروعة ، حيث قام أحد الضباط الجلادين بإخضاع سجين لعملية تعذيب بشعة انتهت إلى موته بين يديه ، فاستعان الضابط بطبيب خرب الذمة معدوم الضمير ، لكي يتآمروا على النفس البريئة التي قتلوها ، فكتب له تقريرا إلى إدارة الخدمات الطبية بمصلحة السجون يقول فيه أنه بتوقيع الكشف الطبي على السجين المذكور تبين أن الوفاة نتيجة ابتلاعه كمية كبيرة من الأقراص المخدرة ، يعني تزوير وتستر على جريمة قتل ، إلا أن الله الحكم العدل أراد أن يفضح المجرم وصاحبه معدوم الضمير فشهد الشهود بمن فيهم ضباط الترحيل أنفسهم بأنهم استلموا المجني عليه وهو في حالة غيبوبة وبه بعض السجحات في جميع أنحاء جسده وكدمة بالعين اليمني جراء الاعتداء عليه ، كما اثبت تقرير الطب الشرعي وجود إصابات بجثة المجني عليه بالوجه والكتف الأيسر والساعدين ومقدمة الصدر ويسار البطن ، أي أنه خضع لعملية تعذيب بشعة ، وأكد التقرير أيضاً خلو أحشاء المجني عليه من المواد المخدرة والسامة ، وانتهت المحكمة إلى أن الطبيب زور تقريره الطبي مجاملة لصاحبه ، وبعد تداول القضية ثماني سنوات قضت المحكمة الأسبوع الماضي بسجن الطبيب المجرم معدوم الضمير سنة مع وقف التنفيذ ، .. تصوروا ؟! هامش : لعل العقوبة الأهم للطبيب المزور معدوم الضمير هي أن يعرف الناس شخصيته فهو : الدكتور محمد كمال الدين مدرس مساعد أمراض الباطنة بكلية طب قصر العيني [email protected]