عندما أعلن الرئيس بوش أنه قرر إعطاء " فرصة للدبلوماسية مع طهران" ، ذكرنا بالفرصة التي أعطاها لفرق التفتيش الدولية في العراق وبتبشير عصابة المحافظين الجدد بفشل مهمتها ، تماما كما يبشرون اليوم بأن الدبلوماسية ستفشل في إخضاع إيران للإملاءات الأمريكية . بتعبير آخر، فإن ما قاله بوش لا يعني إستبعاد خيار الحرب ، وإنما مجرد توفير الوقت اللازم للإعداد السليم لها. وبينما يجري الاستعداد لإيران ، لا مانع من البدء بسوريا، الحلقة الأضعف في الثلاثي المستهدف (إيران وسوريا وحزب الله). فإذا كانت إيران تحتاج إلى وقت للإعداد لإخضاعها، فإنه لا حاجة لإضاعة الوقت مع سوريا. في كل الأحوال ، فإن إدارة بوش ملتزمة بجدول زمني صارم لابد أن تنتهي خلاله من إخضاع الثلاثي المتمرد حتى تؤمن المنطقة لإسرائيل قبل نهاية فترتها الثانية ، وهو جدول يستوعب ما جاءت به التقديرات حول صعوبة تمكن إيران من بناء سلاح نووي قبل خمس سنوات . الطرف الآخر الذي ستستفزه بقوة الحرب على إيران هو (حزب الله) الذي نجحت مقاومته في هزيمة كل من الأمريكيين والإسرائيليين ، وطردهم من لبنان . ولأن الثأر مزدوج والكراهية عميقة ، فالحل لابد أن يكون نهائيا . يرى جهاد الخازن في (الحياة) أن إنسحاب سوريا من وجهة النظر الأمريكية كان خطوة لابد منها لكي تقوم الحكومة اللبنانية بتجريد (حزب الله) من سلاحه ليبقى حزبا سياسيا ، وذلك لتجنب رد فعله عندما تبدأ الحرب على إيران. ويقول إيتان أزاني الباحث الإسرائيلي في معهد مناهضة الإرهاب (جيروزالم بوست 7/3) أن " إنسحاب سوريا من لبنان لن يوقف تدفق السلاح من إيران إلى (حزب الله) عبر دمشق . إن البنية التحتية لحزب الله تشمل شبكات منتشرة في 40 دولة حول العالم. ولو وجد حزب الله نفسه مضغوطا في زاوية ، سيقدم على تنشيط خلاياه في الخارج بتنسيق مع إيران للقيام بهجمات إرهابية ضد أهداف غربية وإسرائيلية." أما ما يراه كاتب هذه السطور، فهو أن أمام رفض (حزب الله) لدعوات بعض القوى اللبنانية نزع سلاحه ، سيعمد الأمريكيون إلى تشديد الضغوط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ البند الخاص بتفكيك الميليشيات المسلحة في قرار 1559. وفي ظل وجود شخصيات لبنانية متطرفة في عدائها لسوريا و(حزب الله) ، سيكون هدف هذه الضغوط هو تعميق الخصومة والعداء بين (حزب الله) والحكم اللبناني الجديد وتصويره على أنه حزب منبوذ يعمل ضد المصلحة اللبنانية ، وذلك لاستفزاز نداءات متطرفة ترحب بكل من يساعد على تخليص لبنان من مشكلة (حزب الله) ، على غرار ترحيب وليد جنبلاط بالتدخل الأجنبي بعد إغتيال الحريري . إن هذا السيناريو يمكّن الصهاينة من الثأر الكامل : ضرب السمعة والمكانة الطيبة التي احتلها الحزب في وطنه تمهيدا لحرب إسرائيلية مدمرة ضده . إن إستمرار (حزب الله) سياسيا في لبنان يعني إستمراره كشوكة في جانب إسرائيل ومصدرا للمشاكل يعيق ليس فقط السلام والتطبيع ، وإنما أيضا إخضاع هذا البلد الصغير حتى ينضم في تواصل جغرافي إلى سلسلة البلاد الخاضعة لهيمنة الإمبراطورية الصهيونية (أميركا وإسرائيل). بتعبير آخر، فإن إستئصال (حزب الله) سياسيا ضروري لتسهيل إستئصاله عسكريا ، وذلك بشغله داخليا عن الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل ، فتكون الحرب عليه أقل تكلفة لإسرائيل بشريا. هذا المأزق الداخلي لحزب الله قد يُستغل أيضا كدافع لتلبيسه ومعه إيران مسئولية عملية إرهابية كبيرة تقع في الولاياتالمتحدة على سبيل المثال ، والتي ستكون كالعادة مجهولة الهوية. وبغض النظر عن طبيعة الذريعة المستخدمة لضرب حزب الله (عملية إرهابية أو عملية ضد إسرائيل ردا على شن الحرب ضد إيران) ، فإن إستمرار وجود الحزب كما أوضحت في مقال سابق تحت عنوان "خطف المقاومة" ضروري في الإعداد لهذه الحرب ، أي ضروري لتوفير واحدة من الذرائع التي توظف كذخيرة دعائية ضد إيران. [email protected]