أبلغت إيران في 1 أغسطس الماضي الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستئنافها نشاطات تحويل اليورانيوم في مفاعل إصفهان (عملية تحويل اليورانيوم إلى غاز هي مقدمة لعملية التخصيب التي هي بدورها أهم خطوة لإنتاج الوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعلات النووية في المجال السلمي أو لتصنيع السلاح النووي). وتضمنت الرسالة الإيرانية إلى الوكالة طلبا رسميا لنزع الأختام والشمع الأحمر عن منشآت أصفهان بإشراف مفتشي الوكالة المتواجدين في إيران. وبرر مسئول لجنة الإعلام في مجلس الأمن القومي الإيراني علي أغا محمدي إستئناف عملية التحويل بانتهاء المهلة الممنوحة للمفاوضين الأوربيين الذين عمدوا إلى المماطلة في المفاوضات لتجميد الأوضاع على ماهي عليه دون الوصول إلى حل مرض لإيران. ووصف محمدي القرار الإيراني بأنه إجراء طبيعي وعادي ولا يشكل تحديا لأوربا ولا إنتهاكا لاتفاق باريس الموقع في نوفمبر2004 بين إيران والترويكا الأوربية (إنجلتراوفرنسا وألمانيا) الذي تعهدت فيه إيران بتعليق أنشطة التخصيب تعليقا طوعيا وليس إلزاميا أو قانونيا، وكان الهدف منه هو تأكيد النية السلمية لبرنامجها النووي. غير أن دول الترويكا هاجت وماجت وحذر وزير خارجية فرنسا من أن يتسبب القرار الإيراني في إشعال أزمة دولية كبرى "مالم تتراجع طهران عن قرارها". كما هدد دومينيك دوفيلبان رئيس وزراء فرنسا بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن (وهو ما يعني إقرار عقوبات دولية ضدها) إذا لم تتراجع عن القرار. جرى ذلك منذ شهرين ، ولم تتراجع إيران ، وتقدمت الترويكا في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية الأخير بمشروع لإحالة الملف إلى مجلس الأمن ، وعجزت عن تمريره. فقامت بتخفيف مشروع القرار بتغييب أي ذكر لمجلس الأمن ، وهو ما جرى تمريره بالأغلبية كما ذكرت في مقال سابق. لم تسكت إيران على هذا القرار، وإنما هددت بالانسحاب من البروتوكول الإضافي لاتفاقية حظر الانتشار والذي يسمح بالتفتيش المفاجئ ، ثم هددت بوقف تصدير النفط إلى كل دولة أيدت القرار الأخير (وعلى رأسها الهند) أو أية قرارات أخرى قادمة مناهضة للحق الإيراني ، ثم أخيرا هددت باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة. والعالم يعرف أن إيران عندما تهدد فهي تفعل ذلك من موقع قوة . وهذا ما يجعل صهاينة أميركا وإسرائيل يفكرون ألف مرة قبل اللجوء إلى خيار الحرب . يدرك الأمريكيون أن إيران ليست العراق.. فتعدادها يبلغ ثلاث مرات تعداد العراق ، ولديها ترسانة سلاح تمكنها من إيقاع خسائر فادحة في صفوف القوات المهاجمة ، وإمكاناتها هائلة لخلق مشاكل في المنطقة أهمها إغلاق مضيق هرمز الذي تعبر من خلاله 40% من إحتياجات العالم النفطية. أيضا فهي دولة شيعية لها علاقات وثيقة مع شيعة العراق الذين في إمكانهم إشعال العراق نارا تحت أقدام الأمريكيين. غير أن عصابة المحافظين الجدد لا تعتقد أن هناك مشاكل غير قابلة للحل ، وترى أن هناك شروطا يجب أن تتوفر لهم ، وهم يعملون على توفيرها حاليا ، وشروطا يجب أن تتوفر في إيران ، وهم يبذلون كل جهدهم لتجنيد ما لديهم من عقول شيطانية لابتداع ما يؤمن إنجاز هذه الشروط . بالنسبة لمجموعة الشروط الأولى ، فإن أولها وأبسطها هو ترويج ناجح للحرب أمام الشعب الأمريكي ، وهي مهمة كانت تبدو سهلة في بداية 2005 بعد أن أعاد هذا الشعب إنتخاب بوش على الرغم من ثبوت كذبه فيما يتعلق بأسباب غزو العراق. غير أن هذه المهمة تبدو مستحيلة في ظل فشل المشروع الأمريكي والمقتلة المنصوبة في العراق لكل من العراقيين والأمريكيين . غير أن عصابة المحافظين الجدد لا تيأس .. فهم يؤمنون بما قاله منظرهم الأكبر ليو ستراوس: "الفضيلة الأخلاقية في الديمقراطية تعني السيطرة على الأغلبية غير الذكية"، أو الدهماء بتعبير آخر. [email protected]