لا شك ان للمرأة سحرها الأخاذ الذي يجبر المرء أن يتخلى عن كثير مما يريد ويرغب فيه ويعزم عليه، وبعض الرجال يظهر جبارا عنيدا لا يقوى عليه أحد، ولا يرده حاجز أو مانع، فلا يجد خصومهُ غير المرأة لتحوطه بسحرها فتهد إرادته وتذيب عزمه.! وكثير من أولى العزم من الرجال وأصحاب الثورات والرسالات، لا سبيل إلى إثنائهم عن طريقهم إلا بالمرأة، التي تعد نقطة ضعف تصيب فطاحل الرجال وعظماء النحل حيث يخضعون أمامها ولا يمكن لهم مقاومتها. يل نتعجب من هؤلاء الرجال الذين تقوم لهم المجالس، وتنحني لهم الجباه، ولا يعلو قول فوق قولهم، فإذا ما دخلوا بيوتهم وخلوا إلى نسائهم صاروا كالحيوان المستأنس، أو كالفأر امام القط، لا يستطيع أن يكسر لها كلمة او يخالف لها رغبة، أو يرفض رأيا رأته. وبعض النساء حينما يعيينهن أن يحصلن على ما يردن، فإن إحداهن تلجأ إلى مفاتنها التي تجلب لها المستحيل، وتجعله أمامها مبسوطا متاحا، فإذا ما تأكدت من هيام الرجل، صار خاتما في إصبعها ينفذ لها كل رغباتها وكأنه مسحور مسلوب اللب والتفكير، أو أصابته نوبة من التنويم المغناطيسي فلا يدري ما يفعل وإلى أين يتجه؟! يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "إن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها، فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها. وقيل: بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها الملك، ثم أجابها إلى ذلك، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طشت. هكذا ساقت المرأة (سالومي) ذلك الملك الشقي ليقتل نبيا من أنبياء الله، ويسفك دم أحب الناس إلى الخالق الكبير، بلا وجل أو خشية !. وفي تاريخنا كانت هذه الشقية قطامة بنت الاخضر التيمية التي غوت مفتونها الخارجي الأحمق ليقتل أبا الحسنين وزوج فاطمة البتول وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حقدا عليه وكمدا منه لأنه قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها الشقي ابن ملجم، شغف بها واشتد إعجابه بها، وسأل في نكاحها وخطبها، فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق؟ فقال لها: احتكمي ما بدالك، فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأنى لي بذلك؟ فقالت: تلتمس غرته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله - إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب، فلك ما سألت. وقتل علي كرم الله وجهه بتحريض المرأة التي رغب فيها عدو الله ابن ملجم. وهذه زبيدة زوجة هارون الرشيد على قدر حصافتها ومكنتها وعقلها وحكمتها التي يتحاكى بها التاريخ، إلا أنها السبب المباشر في فتنة مدوية أصابت الأمة وقتل في سبيلها آلاف المسلمين، حينما أوعزت إلى زوجها الذي كانت محظية عنده، أن يقدم ولدها الأمين وليا للعهد فوق أخيه المأمون الذي كان أكبر منه سنا وأرجح عقلا لقد قالت لزوجها الرشيد: ابني الأمين خير من ابنك المأمون سخاء قلب وشجاعة نفس (علماً بأنها هي التي ربت المأمون لأن أمه ماتت بحمى النفاس بعد ثلاثة أيام من ولادته)، فرد عليها بقوله: إن ابنك يزيّنه في عينيك ما يُزين الولد في عين الأبوين، فاتقيِ الله، فو الله إن ابنك لأحب إليّ، إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً، وبها مستحقًا. ونحن مسؤولون عن هذا الخلق، ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نلقى الله بوزرهم، وننقلب إلى الله بإثمهم. واستدعى ولديه واحدًا تلو الآخر. ورغم قوله هذا ونقاشه مع زوجته المحظية في قلبه نزل على رأيها وارتكب خطأ جسيما في حياة الأمة التي تكبدت خلفه أرواحا ودماء ما كان أغناها عنها. يقولون إن المأمون أراد الخروج يوما في بعض الحروب، فوقفت جارية له ممن شغف بهن، ورغبت إليه أن لا يخرج.! فقال لها: لولا قول الأخطل: قوم إذا ما حاربوا شدوا مآزرهم ** دون النساء ولو باتت بأطهار. أي قوم إذا ما جاءهم الجهاد وحانت لحظة الحرب شدوا مآزرهم عن جماع النساء ولو كن في أكمل حالات طهرهن واستعدادهن.. ولم تستطع أن توقفه عن غايته وجهاده.!