يقولون: إن وراء كل عظيم امرأة ..قد يكون هذا صحيحا وواقعا.. ولكن التاريخ في كثير من حالاته، يؤكد أن بلوغ العظمة لا يكمن إلا في التخلي عن النساء، خاصة في أولئك الذين يكافحون ليكونوا أبطالا ومصلحين وقادة وصناع مجد ودولة وصولجان. ما زلت أتذكر مقولة للشيخ محمد الغزالي في كتابه الفريد (دستور الوحدة الثقافية) وهو يتكلم عن إمامه حسن البنا فيقول: (لقد أفلت الرجل من غوائل المرأة) والحق أن هذا الوصف من صفات العباقرة العظماء، وأن من كان كذلك، فقد فوت على أعدائه فرصة عظيمة في إغرائه أو إغوائه أو إثنائه وإضعافه، فإن أول الأسلحة التي يستخدمها أعداء الرجل وتتجه إليها أنظارهم، هو حظه من النساء، كيف هو وما مبلغه؟! لقد كانت المرأة في حياة السلف الصالح وسيلة العفة وممارسة الفطرة التي فطر عليها الانسان، يأخذون بها ويتعايشون معها، و لكن لا تتعلق بها قلوبهم إلى الحد الذي يفتتنون به فتنة تصرفهم عن غاياتهم العليا، وتطلعاتهم المثلى. لا يمنع أبدا أن تحب زوجتك وتكرمها وتحسن إليها، فهي بشر مثلك تماما لها رسالتها وغايتها التي تتوافق فيها معك وتعينك عليها، وترجو منك العون فيها. لكن أن تكون المرأة هي الغاية والهدف الذي تعيش له ومن أجله، فهو عمل منكور مرفوض في حياة السلف المغوار، الذي هب لينقذ العالم من ظلم الانسان لأخيه الانسان ويحقق في الأرض معالم العدل والحق والمساواة.! يمكن للمرأة أن يهيء لها القدر أن تكون في حياة الرجل العظيم تدعمه وتساعده، وتسخر كل إمكاناتها لمساعدته، لكن همة الابطال وينابيع العظمة لا تكمن إلا فيه وحده، ويشتعل بها إلا صدره هو، وكم رأينا عظماء وكتبنا عنهم أشقتهم نساؤهم ولم تمنعهم من السير على دروب الخالدين. حينما حدث عداء كبير ونزال بين عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)، وشارلمان ملك النصارى، وجد شارلمان في عبد الرحمن ما يدعوه للإعجاب به والانبهار بسماته وصفاته، فتمت بينهما معاهدة ألزمت شارلمان أن لا يتطلع إلى الأندلس، ثم خطرت فكرة المصاهرة بين الاثنين بأن يتزوج عبد الرحمن ابنة شارلمان، ولكن عبد الرحمن كما جاء في وصف المؤرخون له: كان في شغل عن المرأة والحريم فلم تتم المصاهرة ولكن تمت المعاهدة. وكانت الدولة الإسلامية الناشئة لا تقبل من يكون أبطالها هائمين في حب النساء، أو عبادا للمرأة وجمالها الذي يمكن أن يشغلهم عن صناعة دولة الإسلام الكبرى التي انتدبهم لها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها هدفهم الأعظم، كان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد تزود عاتكة بنت عمرو بن نفيل، وكانت من أجمل نساء قريش، وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه، فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه، فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال: يا بني إني أرى هذه قد أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها، قال: لست أقدر على ذلك، فقال أقسمت عليك إلا طلقتها، فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها، فجزع عليها جزعا شديدا، وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر: أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات: فو الله لا أنساك ما ذر شارق** وما ناح قمري الحمام المطوق فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها**ولا مثلها في غير شي ء يطلق لها خلق عف ودين ومحتد ** وخلق سوي في الحياء ومنطق فسمعه أبوه فرق له وقال له: راجعها يا بني، فراجعها وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف، حيث أصابه سهم فقتله، فجزعت عليه جزعا شديدا وقالت ترثيه فآ ليت لا تنفك نفسي حزينة ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فتى طول عمري ما أرى مثله فتى** أكر وأحمى في الهياج وأصبرا وأمام هذه التعلق الكبير.. إلا أن عبد الرحمن قتل شهيدا، فقد غلبت غاية العظماء وهمة الكبار على حب المرأة، والتعلق بالنساء. يظن البعض ممن يقرؤون هذه السطور أننا نباعد بين المرأة وبين دروب العظمة، وأننا بهذا نظلمها ظلما بينا لأننا جعلناها في واد وجعلنا المجد ودواعيه في واد آخر، والحق أن المرأة منبع العظمة ونواة المجد وموئل الفخار، وإلا فأين تكون إذن هذه الأم التي تربي أبناءها على معاني البطولة والسبق والنجاح، وتدربهم على النجدة والمروءة والفداء؟ وتخرج أبطالا فاتحين وقادة ميامين دوخوا الدنيا بذكرهم، وصدعوها بآثارهم؟ وأين نحن كذلك من هذه الزوجة الكريمة التي تشد من أذر زوجها في كفاحه ليبلغ في الحياة مراتب العباقرة الأفذاذ العظماء؟ ألا تذكرون أسماء ذات النطاقين وكيف شحذت همة ولدها البطل حينما كان مترددا في مواجهة خصومه، وكيف دفعته للنزال دفعا فيه كرامته، وهي تعلم أن العاقبة قد تكون في قتله وصلبه وفنائه؟ إننا أمام أسماء لا يمكن إلا أن ننحني إكبارا وإعظاما لبسالتها وسموها وبطولتها الفريدة.! إذن بقي أن نقول أن حديثنا بعد هذا البيان واضح وظاهر، حينما نخصص حالة بعينها وهي حالة أولئك الذين يتعلقون بالنساء عشقا وهياما، ويغرقون في حبهن دعة ودلالا، كيف لهن أن يبلغن آيات المجد وعقولهم لا تقبل إلا المرأة متربعة على عروشها؟ ولا تستسيغ متعتهم إلا جسد المرأة يمتزجون به ويتقلبون عليه ليل نهار، هؤلاء من نتحدث عنهم ونقصدهم، ولم نرد بحديثنا أبدا هذا المعنى الذي تسرب إلى الأذهان، من أن المرأة والعظمة خصمان لا يقبلان التمازج. كما أن المشكلة ليست في حب المرأة أ والتعلق بها، لكن المشكلة تكمن في اخلاق الرجال ومعدل الرجولة والنخوة والمروءة الذي يتراجع جيل بعد جيل في المجتمعات العربية.