لا أقصد الصحافة التى تصدرها الطائفة وتعبر عنها، وتؤصل للتمرّد الطائفى، وعزلة الطائفة ونشر مفاهيم الانفصال عن المحيط الاجتماعى العام، وإقناع القاعدة العريضة بأنهم أصحاب البلد وأن المسلمين غزاة ومحتلون جاءوا من أعماق الجزيرة العربية لينشروا مفاهيم البداوة والتخلف، وأن القرآن من صنع محمد – صلى الله عليه وسلم – وأن الإسلام يؤسس للعنف والوحشية ...إلخ. الذى أقصده بالصحافة الطائفية هى الصحف العامة والحزبية التى يملكها طائفيون أو ينفق عليها طائفيون من وراء ستار، ويقوم عليها ناصريون وشيوعيون ومرتزقة من خدام البيادة البوليسية والعسكرية فى النظام السابق، ويحملون أسماء إسلامية، ويقومون بمهمة التشهير بالإسلام والمسلمين، وخاصة بعد نجاح الإسلاميين فى الانتخابات التشريعية والرئاسية. هناك ثلاثة نماذج بارزة وصارخة فى هذا المجال يمكن إيجاز ملامحها فيما يلى: أولا: جريدة الفجر، وهى مملوكة للسيد نصيف قزمان، وموقفها التحريرى من الإسلام والمسلمين فى غاية السوء منذ صدورها حتى الآن. لم توفر شخصية إسلامية - مهما كانت درجتها أو مستواها - من التشويه والتشهير والسخرية، وقد طالت فى حملتها الظالمة شيخ الأزهر السابق، حيث صورته على هيئة بابا الفاتيكان، وقالت عنه كلاما لا يليق بمقام أرفع رمز من رموز المسلمين ما اضطره إلى رفع الأمر للقضاء الذى أنصفه وحكم بالسجن والغرامة على المسئولين عن التحرير! ليس فى الإسلام شخصية مقدسة أو معصومة إلا نبى الإسلام – صلى الله عليه وسلم – ولكن انتقاد شيخ الإسلام والعلماء والمسلمين يختلف عن التشهير والتشويه والقذف، وقد انتقدت شيخ الأزهر السابق – رحمه الله – فى عشرات المقالات، ولكننى لم أسئ لشخصه أبدا، وكان ما قلته قاسيا على الرجل وشديدا، ولكنه كان محصورا فى إطار العلم والقضايا المطروحة للنقاش. جريدة الفجر التى تعتمد الإثارة والابتذال والتدليس تقف من الإسلام والمسلمين موقفا مناوئا ومعاديا مع أن محررها يكتب أحيانا بعض المقالات عن مكة والمدينة فى إطار صوفى شاعرى، ولكنه تحت عنوان العداء للإخوان المسلمين، لا يبقى على ذرة احترام لدين الأغلبية الساحقة، وقد وضح ذلك فى السباب والشتائم التى كالها لرئيس الجمهورية المنتخب لحساب الجهات التى يواليها، وفى مقدمتها الكنيسة والمخابرات وأمن الدولة! ثانيا: جريدة المصرى اليوم التى يسهم الملياردير نجيب ساويرس مع عائلته بنصيب كبير فى رأس مالها، وهى نموذج للصحف التى أسهمت فى التخطيط لإصدارها الولاياتالمتحدة بعد حوادث سبتمبر وغزو العراق لمواجهة ما تسميه الإرهاب الإسلامى وتحسين صورة أمريكا لدى الجمهور العربى. وقد استقطبت لتحريرها العناصر الموالية للغرب وثقافته. وكان كفاحها فى التحريض على الإسلاميين عظيما، فقد قدمت ما يسمى بقضية ميليشيات الإخوان عقب العرض الذى قدمه طلاب الأزهر عن حركة المقاومة الإسلامية فى فلسطين، وقد دخل عدد كبير من قادة الإخوان السجن بسبب هذا الموضوع. ومن المفارقات أن الكاتب الذى أطلقوا عليه لقب إسلامى وجعلوه كاتب الصحيفة الإسلامى؛ كان الشقيق الأصغر للإمام الشهيد حسن البنا، وهو شخص شيوعى متطرف ينتسب إلى الحركة الشيوعية الماوية فى الصين، وقد أفسحت له الصحيفة مساحات واسعة ليكتب مقالاته أو يجرى مع محرريها حوارات مطولة يعبر فيها عن آراء غريبة وصادمة حول قضايا إسلامية تعدّ من ثوابت الإسلام، مثل الحجاب، والعلاقات بين الرجل والمرأة وصوم رمضان... تحرير المصرى اليوم يوجه الأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين توجيها معاديا ورافضا، ومعظم كتاب المقالات علمانيون رافضون للإسلام وتشريعاته وقيمه، وموالون للغرب قلبا وقالبا.. والجريدة تجزل لهم العطاء، وتمنحهم فرصة الظهور على شاشات الفضائيات وخاصة التى يملكها الملياردير نظير مقابل مادى كبير! ثالثا: جريدة الدستور وكانت مملوكة لبعض الأشخاص (ناصريين ثم وفديين) وآلت إلى رضا إدوارد، وهو صاحب مجموعة مدارس خاصة تستقبل أبناء الأغنياء مقابل مصروفات عالية. الرجل شخصية طائفية مستبدة متعصبة، يتحرك بصورة مستفزة؛ فهو يفرض نفسه على رؤساء التحرير والعاملين فى الجريدة لينفذوا أوامره التى تتدخل فى صلب العملية التحريرية التى لا يفقه فيها شيئا، ولكنه يريد تنفيذ إرادته الطائفية الفجة، على عكس الملياردير صاحب المصرى اليوم الذى يتحرك بذكاء واضح من خلال صحفيين محترفين يدسون السم فى العسل، وكتاب يقدمون الإسلام من خلال ماركسيتهم أو ليبراليتهم، فيخدعون عامة القراء فى نعومة واضحة فى الغالب. لقد تعاقب على رئاسة تحرير الدستور عدد كبير من رؤساء التحرير الذين لم يعمروا طويلا باستثناء رئيس التحرير الحالى الذى انبطح أمام الإرادة الطائفية المسعورة، وتخلى عن المهنية تماما، وتحولت الجريدة إلى منشور طائفى تحريضى ضد الإسلام والمسلمين يبدأ من الصفحة الأولى التى تنشر بيانات صاخبة ضد الرئيس المنتخب والإسلاميين وتحرض على الفتنة الطائفية وتدعو لانقلاب عسكرى للإطاحة بالسلطة الشرعية المنتخبة، وهو ما دفع بعض المواطنين للجوء إلى القضاء، الذى قدم بدوره رئيس التحرير للمحاكمة الجنائية. هناك صحف حزبية وخاصة، محدودة التوزيع، بعيدة عن المهنية؛ ينفق عليها المال الطائفى لدعم التمرد الذى قادته الكنيسة على مدى أربعين عاما، وازدراء الإسلام وتشريعاته، وتشويه الحركة الإسلامية، ويأتى الإنفاق مباشرا أو غير مباشر فى بعض الأحوال عن طرق الاشتراكات أو الإعلانات. والسؤال الآن: ألا يوجد بين الأغنياء المسلمين من ينشر صحفا تدافع بالحق والمهنية عن الإسلام والطائفة الأرثوذكسية التى اختطفها المتمردون الطائفيون؟ إنهم سينالون ثوابا دنيويا وأخرويا لو فعلوا، ويحافظون على وحدة الوطن.